ذكرى وفاة فاتح القسطنطينية قاهر الصليب السلطان محمد الفاتح

وافته المنية في نفس شهر فتحه القسطنطينية، و ذلك في شهر مايو..
حيث مات بجرعة دواء زائدة وليس بالسيف رغم كثرة معاركه، فتح القسطنطينية وعمره24وفتح البوسنة وطرابزون وجعل السفن تسير فوق الجبال.
ففي مثل هذا اليوم توفي السلطان العثماني ووالي بلاد الروم السلطان محمد الفاتح
وذلك في 4 ربيع أول 886 هجري
والموافق في تاريخ 1481/05/03م
نشأته
ولد في مدينة أدرنة في 24 جمادى الثانية 832 هجري والموافق في تاريخ 1429/03/31م، وأما أبوه فهو السلطان العثماني مراد الثاني، وأما أمه فهي خديجة خاتون بنت عبد الله، وتوفي أخوه الأكبر أحمد ثم علاء الدين فأصبح محمد هو ولي العهد، وعينه السلطان عندما كان طفلا واليا على أماسية بشكل اسمي كنوع من التدريب على الحكم مستقبلا.
تعليمه
خصَّص السُلطان مراد عدَّة مُدرِّسين لِتعليم ابنه اليافع أثناء فترة ولايته في أماسية، وفشلوا في تدريسه، فطلب السُلطان مُراد رجُلًا لهُ مهابة وحدَّة لِيُوكل إليه مُهمَّة تربية ولده وتأديبه، فذكروا لهُ العلَّامة الكردي المولى أحمد بن إسماعيل الكوراني، فجعلهُ مُعلِّمًا لِابنه، وأعطاه بِيده عصا لِيضربه به إذا خالف أمره، ونجح الكوراني في هذه المهمة.
ولاحقا جلب له مدرس آخر ليشترك مع الكوراني وهو المدرس العربي الدمشقي الشيخ شمسُ الدين مُحمَّد بن حمزة الدمشقي المُلقَّب «آق شمسُ الدين» الذي يتصل نسبه بالخليفة أبو بكر الصديق (ر)، فعلمه الدين واللغة العربية والتاريخ والجغرافيا والرياضيات والفلك، واستطاع محمد الفاتح أن يتقن اللغة العربية مثل أبيه.
توليه الحكم وفشله أول مرة..ثم عودته
بعد أن هزم أبوه السلطان مراد الثاني أمام الأوروبيين في معركة نيش عام 1443م تنازل عن الحكم لابنه محمد الفاتح في عام 1444م، وذهب مراد ليعتزل مع إحدى الطرق الصوفية، ولكن السلطان محمد الفاتح فشل في الحكم حيث تعرض لسلسلة هزائم أمام جيوش المجر فأرسل لأبيه رسالة يطلب منه أن يعود للحكم حيث قال له: ((إذا كنت أنت السلطان فتعال وقُد جيوشك، وإذا كنت أنا السلطان فتعال وقُد جيوشي))، فأتى السلطان مراد و انتصر في معركة وارنة، ثم عاد لعزلته، ولكن تمرد الفرقة الحروفية الباطنية، وكذلك تمرد الإنكشارية، جعل مراد يعود للحكم عام 1446م.
وأصبح السلطان مراد يصطحب ابنه محمداً في حروبه، لكي يعلمه الحكم والقتال بشكل مباشر وعملي، وفي عام 1451م توفي السلطان مراد الثاني وتولى الحكم السلطان محمد الفاتح مرة أخرى ولكن هذه المرة كان أكبر وأكثر تمكنا من شؤون الحكم، وظهر ذلك حينما إستطاع أن يقمع تمرد إمارة القرمانية سريعا.
كذب مسألة قتل أخيه الرضيع
تعتبر مسألة قتل الإخوة عند السلاطين العثمانيين من أكبر السلبيات والجرائم، وأما في قصة محمد الفاتح فقد ورد بأنه قام بقتل أخيه الرضيع أحمد وذلك لكي لا ينافسه على الحكم مستقبلا، وهذه القصة غير صحيحة حيث ذكر المُؤرِّخ البُغداني دمتري قانتمير بأنَّ السُلطان مُراد الثاني عندما تُوفي كان جميع أبنائه – عدا مُحمَّد – قد توفوا، وحتى في شجرة أنساب آل عُثمان كما وردت في كتاب «سلسلة نامه» والتي تذكر حتى الأمراء المقتولين، لا يوجد فيها ابن لمراد الثاني اسمه أحمد غير ابنه البكر أحمد الذي مات وهو شاب في حياة وعهد أبيه.
تبعية العثمانيين للخليفة العباسي
يعتبر السلاطين العثمانيون قبل السلطان سليمان القانوني تابعون للخليفة العباسي، ويحكموا بلادهم بصفتهم ولاة له باسمه، وكانت البداية عندما نال مُراد الأوَّل لقب «سُلطان» بِصُورةٍ رسميَّة من الخليفة العبَّاسي المُقيم بِالقاهرة أبو عبد الله مُحمَّد المُتوكِّل على الله، لِيُصبح بِهذا أوَّل حاكمٍ من آل عُثمان ينال هذا اللقب، بعد أن كان والده أورخان و جدِّه عُثمان يحملون لقب «أمير» أو «بك» فقط.
فكان السلطان محمد الفاتح كمن سبقه يحكم باسم الخليفة العباسي، ويلتزم بمراسيم الخلافة من رفع العلم الأسود، و الخطبة للخليفة أولا ثم للسلطان في المساجد، و انتظار التقليد منه ولبس الملابس الرسمية التي يرسلها له الخليفة والسيف الذي يشير للولاية التي يحكمها، وكذلك الأموال الواجب إرسالها لدار الخلافة، وكان لقبه في بلاط الخلافة العباسية هو “والي بلاد الروم”.
فتح القسطنطينية
في 1453/05/29 م تم فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية هو الاسم الذي يُطلق على أحد أبرز الأحداث في التاريخ، وهو سُقوط مدينة القسطنطينيَّة عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، بعد حصارٍ دام عدَّة أسابيع، قاده السلطان محمد الثاني بن مراد العثماني ذو ال24 عاما.
وكان ضدهَّ حلفٍ مُكوَّن من البيزنطيين والبنادقة والجنويين بقيادة قيصر الروم الإمبراطور قسطنطين پاليولوگ الحادي عشر.
ودام الحصار من يوم الجُمعة 26 ربيع الأوَّل حتّى يوم الثُلاثاء 21 جمادى الأولى سنة 857هـ المُوافق فيه 5 نيسان حتّى 29 أيَّار سنة 1453م، حينما انهارت دفاعات البيزنطيين ووقعت المدينة لُقمةً سائغة، ثم قام محمد الفاتح بإرسال البشائر والهدايا إلى الخليفة العباسي في القاهرة حمزة القائم بأمر الله، ومن وقتها أصبح يحمل لقب الفاتح.
فتح اليونان
أمر السُلطان محمد الفاتح بِالتجهُّز واجتماع الجيش، وخرج في ربيع سنة 862هـ المُوافقة لِسنة 1458م، على رأس حملةٍ عسكريَّةٍ لِفتح بلاد المورة. وبعد أن أمضى شطرًا بسيطًا من الوقت في سيروز بانتظار أن ينضم إليه بقيَّم العسكر، توجَّه ودخل المورة من برزخ كورنثة، وفتح أولًا قلعة «فلكة» عنوةً، ثُمَّ قلعة كورفوس، وفتحت له قلعة «باق أوه» أبوابها سلمًا، فأجلى أهلها إلى إسلامبول، ثُمَّ فتح قلعتا «توقماق» و«منجلق» بِحد السيف، ثُمَّ فتح باللوبادرة (پاتراس) مع لواحقها.
وهدم السُلطان بِنيران مدفعيَّته 292 قلعة من مجموع الثلاثمائة قلعة الموجودة في المورة، وترك 8 قلاع فقط أسكن فيها حامياتٍ عسكريَّةٍ عُثمانيَّة، ولمَّا قرُب الشتاء توجَّه السُلطان إلى إسكوپية وشتى فيها، ووضع السُلطان الإقليم تحت السيطرة المُباشرة لِلسلطنة، ونفى دمتريوس إلى إحدى جُزر أرخبيل بحر إيجة، ثُمَّ سمح لهُ بالانتقال والعيش في أدرنة. وفتح السُلطان خلال حملته هذه مدينة أثينا في عام 1460م ثم فُتحت جزائر الأرخبيل مثل طاشوز وإمروز وغيرها، حتَّى أضحت بلاد اليونان تحت السيطرة العُثمانيَّة المُباشرة باستثناء بعض المواقع والقلاع المُتفرِّقة على الشواطئ مثل كورونة ومودونة وآرغوس وليپانت التي كان أغلبها لِلبنادقة
فتح طرابزون
بعد أن سيطر محمد الفاتح على السواحل الجنوبية للبحر الأسود، فرض الفاتح حصارًا بحريًّا حول طرابزون، وكان إمبراطورها داود يترقَّب في قلقٍ وُصُول الإمدادات إليه من حليفه أوزون حسن حاكم العراق، ولكن لم يصله شيء، وما أن نزل السُلطان وجُنُوده قُرب طرابزون، حتى إنهارت دفاعات طرابزون، فاضطرَّ داود إلى الاستسلام وطلب الأمان، فأمَّنهُ السُلطان واستلم منهُ المدينة صُلحًا في عام 1461م، ثُمَّ أرسله مع أهله وعياله إلى إسلامبول، ودخل المدينة وأمَّن أهلها على أنفسهم وأموالهم وأملاكهم ودينهم، وهكذا انتهت إمبراطوريَّة طرابزون التي دامت 257 سنة .
فتح البوسنة
زحف السُلطان الفاتح بِاتجاه البُشناق ونزل بِإسكوپية حتَّى نزل عليه بقيَّة العسكر، ثُمَّ سار بهم وأرسل الصدر الأعظم محمود باشا في مُقدِّمة الجيش، فسار وحاصر حصن لوفجة وأخذه بعد ثلاثة أيَّام، ثُمَّ توجَّه إلى حصن يايجة، وكان أسطفان ملك البوسنة مُتحصنًا فيه، فهرب منه قبل وُصُول الصدر الأعظم إلى قلعة صقول، وكانت في غاية المناعة والحصانة، ولمَّا وصل محمود باشا إلى قُرب يايجة عرف بِهرب أسطفان، وتابع سيره حتَّى بلغ صقول، حيثُ يُروى أنَّ العُثمانيين كادوا يعبرون المدينة دون أن يعلموا بِوُجود الملك في حصنها، لولا أنَّ أعلمهم بِذلك أحد العوام لِقاء مبلغٍ من المال. وهكذا حوصرت القلعة طيلة أربعة أيَّام، خرج خلالها العسكر البُشناقيين وقاتلوا العُثمانيين قتالًا شديدًا، وكادوا يهزموهم لِقلَّتهم، لولا أن وصل محمود باشا في بقيَّة الجيش وكسروا المُحاصرين، وتابعوا الضغط على القلعة.
وأرسل محمود باشا إلى أسطفان يُخبره أنَّهُ مُستعدٌ لِتأمينه إن استسلم وسلَّم القلعة، ولمَّا كانت المُؤن والذخائر قد تناقصت بِشكلٍ كبير، وأدرك أسطفان أنَّ لا مناص من نصر العُثمانيين، فقبل عرض الصدر الأعظم واستأمنه، فأمَّنه وتسلَّم القلعة، ثُمَّ حاصر قلعة «أرجاي» وكان أخو أسطفان مُتحصنًا فيها، فسلَّمها أيضًا بِالأمان، ثُمَّ عاد محمود باشا إلى الركاب العالي ومعه الملك وأخوه.
وحينما وصلت الأخبار لمحمد الفاتح الذي بقي في اسطنبول غضب من إعطاء الأمان للملك اسطفان، وقبَّح السُلطان هذا الفعل وعاتب محمود باشا عليه لِشدَّة غضبه على الملك البُشناقي، الذي لم يَر خلاصه وتأمينه، فاستفتى العُلماء المُلازمين لِركابه في هذه الحملة في قتل أسطفان، فأفتى بِذلك الشيخ علي بن مُحمَّد البسطامي، وأمر السُلطان بإعدام أسطفان وأخيه، فنُفِّذ الأمر ودانت بِذلك جميع بلاد البوسنة وأصبحت جُزءًا من الدولة العُثمانيَّة، وكان ذلك في عام 1464م.
أسرته
تزوج من أمينة گُلبهار خاتون الأرناؤوطي وگُلشاه خاتون الأبخازي، ومُكرَّمة خاتون القدرية، وچيچك خاتون المملوكية، وتزوج لفترة من حنَّة خاتون ابنة الإمبراطور الطرابزُني داود كومنين، وكذلك لفترة من خديجة خاتون ابنة زغانوس باشا
وأما أبناؤه فهم بايزيد ومصطفى وجم وله ابنة واحدة تدعى جوهر خان.
وفاته
في أثناء استعداده لِحملةٍ كبيرةٍ يغلب الظن أنَّها كانت مُوجَّهة إلى إيطاليا داهمه مرضٌ مُفاجئ، وأخذ يشتد ويقوى حتَّى تُوفي السُلطان في 4 ربيع أول 886 هجري الموافق في تاريخ 1481/05/03م وكان سبب الموت هو خطأ طبي نتيجة جرعة دواء زائدة لتخفيف آلام النقرس الذي كان يعاني السلطان في قدمه، وكانت وفاته في منطقة تكور ولكن تم نقله ودفنه في إسطنبول ليكون أول سلطان عثماني يدفن هناك، وتولى الحكم من بعده ابنه بايزيد.