أخبارسلايدرعربي و دوليمصر
أخر الأخبار

أردوغان يعلن نجاحه في الصلح بين أثيوبيا والصومال.. ماذا وراء الصفقة وماهي مصلحة تركيا؟

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، عن التوصل إلى “اتفاق تاريخي” بين الصومال وإثيوبيا على نبذ خلافاتهما، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في المجمع الرئاسي بالعاصمة التركية أنقرة.

ووفقا لوكالة الأنباء التركية “الأناضول”، قال أردوغان إن تم اتخاذ “الخطوة الأولى نحو بداية جديدة قائمة على السلام والتعاون بين الصومال وإثيوبيا متغلبين على حالات الاستياء وسوء التفاهم”.

وأضاف أنه منذ مايو/ ، اجتمع وزيرا خارجية الصومال وإثيوبيا مرتين في أنقرة ومرة ​​في البيت التركي بنيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأشار أردوغان إلى أن “الثقة التي منحتها الصومال وأثيوبيا لتركيا تمخضت عن الوصول إلى مرحلة مهمة في عملية أنقرة التي بدأت قبل 8 أشهر”.

و شهدت العاصمة التركية أنقرة ما وُصف بـ “المصالحة التاريخية” بين الصومال وأثيوبيا بوساطة تركية، بعد تأزم العلاقات بينهما نتيجة إبرام أديس أبابا اتفاقا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي في الأول من يناير/ 2023 منح الإذن لأثيوبيا باستخدام سواحل الإقليم على خليج عدن لأغراض تجارية وعسكرية.

تأتي هذه الوساطة بوصفها محطة جديدة على طريق أنقرة الطويل في تعزيز حضورها داخل القارة الأفريقية. فقبل بضعة أعوام وقف عبد القادر محمد نور، وزير الدفاع الصومالي الحالي، أمام لوحة فنية تصور الأسطول العثماني وهو يحمي المسلمين الذين يعيشون في خليج عدن من الاستعمار البرتغالي في القرن السادس عشر، مغردا حولها عبر حسابه على تويتر.

ماهي مصلحة تركيا؟

وفي فبراير/ الماضي (2024)، وقف “نور”، وهو للمفارقة أحد الأفارقة الذين تلقوا تعليمهم في تركيا، مصافحا “يشار غولر”، وزير الدفاع التركي، خلال مراسم توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين الصومال وتركيا في أنقرة تنص على إجراء البلدين تدريبات عسكرية مشتركة، وتبادلهما المعلومات الاستخباراتية إلى غير ذلك من أوجه التعاون.

وبحسب التقرير المنشور على “الجزيرة” فالاتفاقية تجعل تركيا فاعلا رئيسيا في حماية المياه الإقليمية الصومالية، حيث ستعمل على الدفاع عن ما يقارب 3 آلاف كيلومتر من سواحل الصومال، من كينيا إلى جيبوتي، بواسطة سفن حربية تركية وجنود أتراك، ولم يتضح بعد إن كان هذا الحضور التركي يشمل خليج عدن ومنطقة أرض الصومال، حيث سيتم تحديد الوضع بدقة من خلال البروتوكولات الفرعية.

قوبلت أنباء التوقيع على الاتفاقية باحتفاء شعبي كبير داخل الصومال إلى درجة خروج مظاهرة داعمة لها في ملعب “ياريسو” لكرة القدم في مقديشو، وسرعان ما أُقرت بشكل رسمي من قبل البرلمان.

سعادة صومالية بالتقارب مع تركيا

وقال الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود”، في إجابته عن أسئلة الصحفيين بعد موافقة البرلمان على الاتفاقية: “سننشئ قوة بحرية مشتركة، وسيقوم إخواننا الأتراك بحماية بحارنا لمدة 10 سنوات في إطار هذه الاتفاقية، وبعد 10 سنوات من التعاون سيكون لدينا قوة خاصة لحماية بحارنا”، واصفا تركيا بأنها “الأخ الحقيقي والموثوق” الذي دعم الصومال في أكثر من مناسبة.

وبالمثل وصف رئيس الوزراء الصومالي “حمزة عبدي بري” الاتفاق في اجتماع مجلس الوزراء بأنه “تاريخي” وسيصبح “إرثا” للأمة الصومالية على المدى الطويل.

على مدار الأشهر اللاحقة، تدفقت الرسائل الصريحة والمبطنة من الطرفين (التركي والصومالي) لمن يهمه الأمر إقليميا وربما دوليا حول عزمهما المضي قدما في الاتفاقية، حيث نقلت وكالة الأنباء الرسمية الصومالية “صونا” وقائع تزعُّم الرئيس “حسن شيخ محمود” حفل ترحيب للكورفيت “TCG Kınalıada” التركية المنتجة محليا، والتي رست في ميناء مقديشو بمناسبة عيد الطفولة والسيادة الوطنية في تركيا في أبريل/الماضي، وهو مشهد تكرر مجددا في أكتوبر/ حين استقبل الرئيس الصومالي سفينة البحث والاستكشاف التركية “الريس عروج” في ميناء مقديشو قبيل بدء عملها في التنقيب عن النفط والغاز في المياه الصومالية.

خلال هذه الفعاليات ومثيلاتها، أكد الرئيس الصومالي بالفعل قبل القول على الشراكة الإستراتيجية بين تركيا والصومال، لا سيما في مجالات المساعدات الإنسانية والأمن والدفاع والتنمية الاقتصادية، كما حرص على تأكيد الأهمية التاريخية لزيارة السفينة الحربية التركية للمياه الإقليمية للصومال باعتبارها “علامة على العلاقات الأخوية الدائمة بين البلدين الشقيقين، وفجرا جديدا للأمن البحري للصومال”، معربا عن امتنانه لدعم تركيا جهود الصومال لحماية مياهه الإقليمية في إطار اتفاقية التعاون الدفاعي والاقتصادي الموقعة بين البلدين.

شراكة إستراتيجية تصل إلى الفضاء

تمتد الاتفاقية الموقعة بين البلدين لمدة 10 سنوات، وتشمل -بجانب التعاون الدفاعي- أوجها أخرى من التعاون الأمني والاقتصادي وحتى البيئي.

وتنص على تعاون البلدين في استكشاف الموارد البحرية، وتخطيط وتنفيذ العمليات الجوية والبرية والبحرية المشتركة في حال الحاجة للدفاع عن استخدام هذه الموارد، فضلا عن بناء السفن وإنشاء الموانئ والمرافق وتشغيلها، واتخاذ الترتيبات القانونية اللازمة لذلك، وتوحيد قوانين الملاحة البحرية بين البلدين، واتخاذ تدابير أحادية ومشتركة لمكافحة جميع أنواع التهديدات في المناطق البحرية الخاضعة للسيادة، مثل “الإرهاب” والقرصنة والنهب والصيد غير القانوني والتهريب.

كما تنص الاتفاقية أيضا على تقديم تركيا الدعم التدريبي والتقني، وتزويد المعدات للجيش الصومالي بما يشمل تطوير وتحديث القوات البحرية، بجانب بناء منشآت أمنية أحادية ومشتركة وإدارتها، والتعاون في مكافحة التلوث البحري. وستحصل الشركات التي ستعمل في جميع هذه المجالات جميعا على الموافقة من السلطات في تركيا، وسيتم فتح المجال الجوي الصومالي ومناطقه الأمنية بالكامل أمام أنقرة.

وفي تطوير سريع للاتفاقية بعد شهر واحد على إبرامها، وقع وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي “ألب أرسلان بيرقدار” مع وزير النفط والثروة المعدنية الصومالي “عبد الرزاق عمر محمد” في مارس/الماضي مذكرة تفاهم بشأن “تطوير التعاون الثنائي في مجال النفط والغاز الطبيعي بالمناطق البرية والبحرية في الصومال، وتنفيذ أنشطة مشتركة لوضع موارد الصومال في أيدي الشعب الصومالي” وفق ما كتبه بيرقدار آنذاك عبر حسابه على منصة “إكس”.

وبعد 4 أشهر التقى الوزيران مجددا في يوليو/ليوقعا اتفاقية جديدة للتنقيب عن الهيدروكربونات وإنتاجها بالحقول البرية الصومالية، ليصدق البرلمان التركي بعدها على نشر عناصر من القوات المسلحة التركية في الصومال بموجب الاتفاقيات الموقعة بين البلدين.

مكاسب تركية

وفي مشهد احتفالي علني توّج هذه التطورات، وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أوائل أكتوبر/ الماضي أمام مكتب الرئاسة في قصر دولمة بهجة بإسطنبول مشاركا في حفل توديع سفينة البحث السيزمي “الريس عروج”، التي طورتها تركيا بموارد محلية، قُبيل توجهها إلى الصومال للقيام بأعمال استكشاف وتقييم وتطوير وإنتاج النفط في المناطق البرية والبحرية الصومالية، حيث كان في استقبالها الرئيس الصومالي بنفسه أيضا.

وترافق “الريس عروج” خلال مهمتها هذه التي من المتوقع أن تستغرق 7 أشهر سفينتا الدعم والإسناد “زغانوس باشا ” و”سنجار”، وسفينة التتبع ” أطامان”، إضافة إلى فرقاطتين تابعتين للبحرية التركية.

لم تقف التطورات عند هذا الحد، حيث امتدت آفاق التعاون التركي الصومالي إلى الفضاء. ووفق ما ذكرته صحيفة “صباح” التركية المقربة من الحكومة، وافق الرئيس التركي أردوغان على مشروع طموح يهدف إلى إنشاء قاعدة فضائية في الصومال بتكلفة استثمارية ضخمة تبلغ 6 مليارات دولار.

وأضافت الصحيفة أن القاعدة المخطط إنشاؤها ستتيح لتركيا إجراء تجارب الصواريخ الباليستية والصواريخ الفضائية، كما بيّنت الصحيفة أن المشروع يتطلب استثمارات كبيرة وشركاء دوليين، مع الإشارة إلى أن دولة الإمارات تُعد من أبرز الدول المرشحة للمشاركة في تمويل المشروع.

منافع صومالية
تأتي الاتفاقية التركية الصومالية وتوابعها في وقت شديد الحساسية والتوتر بالنسبة لمقديشو، ففي مطلع العام الحالي، وقبل أسابيع فقط من إبرام الاتفاق التركي الصومالي، وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الساعي للانفصال منذ 3 عقود، تحصل بموجبه أديس أبابا على قاعدة عسكرية ومنفذ بحري على سبيل الإيجار لمدة 20 عاما على سواحل الإقليم، مقابل منح أرض الصومال الاعتراف الرسمي الأول لها على المستوى الدولي.

أثارت مذكرة التفاهم غضبا واسعا في الصومال الذي اعتبرها “اعتداء سافرا على سيادته” حسب نص بيان الحكومة الصومالية، ما استتبع تصعيدا دبلوماسيا بهدف حشد الإدانة للمذكرة إقليميا ودوليا، سواء من الهيئات مثل الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، أو من دول مثل الولايات المتحدة والصين ومصر وتركيا وإريتريا والسودان وكينيا وجيبوتي.

وبالتزامن، أخذ التوتر منحنى تصاعديا بين مقديشو وأديس أبابا، لتعلن الأولى في أبريل/نيسان إبعاد السفير الإثيوبي وإغلاق قنصليتي إثيوبيا في منطقتي أرض الصومال وبونتلاند (اللتين تتمتعان بما يشبه الحكم الذاتي)، ومغادرة الدبلوماسيين والموظفين فيهما في غضون أسبوعين، وعلل البيان الحكومي الصومالي الصادر آنذاك هذه الإجراءات بأن الحكومة الإثيوبية “تتدخل بشكل فج في شؤون الصومال الداخلية وتنتهك سيادته”.

في غضون ذلك، شرع الرئيس حسن شيخ محمود في توطيد علاقات مقديشو بكل من القاهرة وأسمرة، وهما خصمان لدودان لأديس أبابا (رغم التحالف العارض بين إثيوبيا وإريتريا خلال السنوات الأخيرة)، ضمن مساعي بناء تحالف إقليمي جديد في القرن الأفريقي على أنقاض التحالف السابق بين إثيوبيا والصومال وإريتريا الذي دُشن قبل 6 أعوام وكتبت مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال شهادة وفاته.

لتستضيف أسمرة، العاصمة الإريترية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي لقاء ثلاثيا جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الإريتري أسياس أفورقي مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، رافقه بيان مشترك يؤكد على دعم وحدة وسيادة الصومال على أراضيه، وتطوير التعاون بين الدول الثلاث في كافة المجالات.

سبق ذلك توقيع مصر والصومال اتفاقية أمنية وعسكرية في منتصف أغسطس/آب الماضي، وإعلان الحكومة المصرية نيتها المشاركة في قوات البعثة الجديدة لحفظ السلام في الصومال “أوسوم (AUSSOM)” المتوقع انطلاقها مطلع العام القادم، وفي خطوة تبرهن على العزم المصري لتعميق التحالف مع الصومال تتابع وصول معدات وأسلحة عسكرية مصرية إلى مقديشو، وهي خطوة أججت نيران الغضب في أديس أبابا.

وفي خطوة تهدف للإفلات من مدار النفوذ الإثيوبي في منظمة “إيغاد” التي تعتبر التكتل الإقليمي الرئيسي بالقرن الأفريقي، قررت مقديشو الاستدارة نحو الشرق، وكثفت جهودها المستمرة منذ ما يربو على عقد كامل للانضمام إلى “مجموعة شرق إفريقيا (East African Community)” أو (EAC) التي تضم بوروندي والكونغو الديمقراطية وكينيا ورواندا إلى جانب جنوب السودان وأوغندا وتنزانيا.

وفي حفل قصير أُقيم في مارس/آذار الماضي في مقر المجموعة في مدينة أروشا، بتنزانيا، قدّم وزير التجارة والصناعة الصومالي، جبريل عبد الرشيد حاجي، وثيقة التصديق إلى الأمين العام للتكتل، بيتر ماثوكي، لاستكمال عملية قبول الصومال عضوا ثامنا في المجموعة.

كل هذه التطورات تتابعت بسرعة، رغم تأكيد الرئيس حسن شيخ محمود بعد تصديق البرلمان الصومالي على الاتفاقية الدفاعية مع تركيا على أن هذا الاتفاق لا يضمر أي نوايا عدائية تجاه إثيوبيا أو أي دولة أخرى. غير أنه من الواضح أن الخطوة الصومالية تسعى بشكل رئيسي لتقويض آمال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في وصول بلاده الحبيسة جغرافيا إلى المياه الدافئة عبر سواحل الصومال، إضافة إلى التأكيد أن مقديشو لن تسمح بخروج أي من أقاليمها الفيدرالية عن الوحدة المعلنة منذ استقلال البلاد مطلع الستينات.

كذلك فإن اختيار حسن شيخ محمود لتركيا لتوقيع الاتفاقية الدفاعية لا يخلو من دلالات، وبخلاف الروابط التاريخية المميزة بين تركيا والصومال، فإن أنقرة ترتبط كذلك بعلاقات جيدة مع إثيوبيا، حيث زودتها بالطائرات المسيرة التي حالت دون استيلاء قوات تيغراي على عاصمتها في عام 2022. ورغم أن أنقرة لا تعترف بصورة رسمية بأرض الصومال، فإنها تحتفظ بعلاقات جيدة معها، وهو ما يعوق بشكل كبير أي إجراءات من قبل أديس أبابا أو هرجيسا تجنبا لإغضاب الحليف التركي المهم.

في أحد وجوهها، تعتبر الاتفاقية التركية أيضا دعما لجهود مقديشو الحثيثة في مواجهة حركة الشباب المجاهدين التابعة لتنظيم القاعدة، وهي واحدة من أشرس التنظيمات المسلحة في إفريقيا، والتي تسيطر على مساحات معتبرة من الأراضي الصومالية. وينتظر أن يملأ الحضور التركي الفراغ الذي ستتركه قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي “ATMIS” التي أنشئت لهذا الغرض والمقرر انسحابها من الصومال بنهاية العام الجاري.

كما تأمل مقديشو أن تساعدها الاتفاقية على استكمال تعاونها العسكري المتميز مع تركيا نحو بناء جيش صومالي وطني وعصري، حيث يعود الوجود العسكري التركي في الصومال إلى عام 1993 إبان مشاركة أنقرة في قوات حفظ السلام الأممية خلال الحرب الأهلية بالصومال .

تركيا الصاعدة
تمتلك تركيا حضورا قويا في الصومال كانت الاتفاقية الدفاعية الأخيرة مجرد تتويج له، ويجمع الدولتين تاريخ مشترك يزيد عن 4 قرون منذ زمن الدولة العثمانية، لكن المسار التصاعدي الحالي للعلاقات يعود إلى مطلع العقد الماضي حين زار أردوغان، رئيس الوزراء آنذاك، مقديشو عام 2011 برفقة زوجته ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو مع وفد كبير ضم وزراء ورجال أعمال لتسليط الضوء على الأوضاع الإنسانية المتدهورة في البلاد بسبب الجفاف والمجاعة.

شكلت هذه الزيارة حدثا استثنائيا، وعززت بشكل كبير العلاقة بين البلدين باعتبارها الأولى على الإطلاق التي يقوم بها رئيس دولة غير إفريقي منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد عقب انهيار حكم الرئيس محمد سياد بري عام 1991، خاصة مع الصعوبات التي أحاطت بالزيارة وأقلها الأضرار التي أصابت طائرات الرئيس أثناء هبوطها في مطار مقديشو.

زار أردوغان ومرافقوه آنذاك معسكرات النازحين والمستشفيات، وحشدت أنقرة حملة إنسانية ودبلوماسية واسعة للتصدي لآثار الجفاف في الصومال، وفي العام نفسه فتحت تركيا أكبر سفارة لها في العالم في العاصمة مقديشو، وتسارعت من بعدها وتيرة تطور العلاقات بين البلدين، سياسيا واقتصاديا، بل وعسكريا وأمنيا.

على الصعيد العسكري، افتتحت أنقرة في عام 2017 بالصومال قاعدة “تركسوم” العسكرية، والتي تعد الأكبر خارج البلاد، وتستضيف زهاء 200 ضابط تركي مهمتهم تدريب أفراد الجيش الصومالي، ويعتقد أن القاعدة دربت حتى الآن أكثر من 10 آلاف جندي صومالي، بما يشمل لواء “جورجور” أو “النسور” الذي يبلغ تعداد قواته نحو 200 شخص، إلى جانب ما يقارب 500 عضو من قوات النخبة للجيش الصومالي المعروفة باسم “حامل النصر” أو “Guulwade”. هذا وتقوم تركيا أيضا بتوريد الأسلحة اللازمة لوحدات الجيش الصومالي التي تدربها، فضلا عن مساعدتها في أعمال مكافحة القرصنة أمام سواحل الصومال وخليج عدن.

في المجال الأمني، أسست تركيا مقر الشرطة الخاصة في مقديشو والمعروفة باسم “الفهد” عام 2019، فيما تتبادل أجهزة الشرطة في البلدين الزيارات بانتظام لنقل الخبرات.

وبعيدا عن الفضاء العسكري والأمني، تتدفق المنح والمساعدات الإنسانية والاقتصادية من أنقرة إلى مقديشو، كما تشارك تركيا في بناء مطارات وطرق ومستشفيات ومبانٍ حكومية بالصومال، وتدير إحدى شركاتها مطار مقديشو الدولي، وهناك آلاف الطلاب الصوماليين يدرسون في تركيا ضمن برامج منح وبعثات ممولة بالكامل. ورغم أن حجم التجارة بين البلدان حاليا يتراوح حول 300 مليون دولار فقط، من المتوقع أن يزداد هذا الرقم مع التوقيع على الاتفاقيات الأخيرة.

في ضوء هذا الحضور التركي المتزايد، يمكن اعتبار الاتفاقية الأمنية الأخيرة خطوة مهمة نحو تعزيز نفوذ تركيا، ليس فقط في الصومال، بل في منطقة القرن الأفريقي وخليج عدن.

كما أن وجود البحرية التركية على السواحل الصومالية يسمح لأنقرة بالقيام بدور أكبر في معادلة أمن البحر الأحمر البالغة الأهمية، علاوة على تعزيز مكانة أنقرة بوصفها لاعبا إقليميا ذا ثِقَل كما ظهر في محاولاتها للوساطة بين مقديشو وأديس أبابا لتقريب وجهات النظر بعد مذكرة التفاهم التي أبرمتها الأخيرة مع أرض الصومال، وانخراطها في مباحثات سياسية مع مصر حول البحر الأحمر والقرن الأفريقي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

وعلى غير مبعدة من الصومال، وقعت تركيا اتفاقية عسكرية أخرى مع جيبوتي في فبراير/شباط الماضي (بالتزامن مع اتفاقها مع الصومال) تشمل بروتوكولات تعاون في مجالات التدريب العسكري.

بيد أن التحرك التركي النشط في القارة السمراء لم يقتصر على السواحل الشرقية في الصومال وجيبوتي، بل وصل إلى غرب القارة، حيث وقفت تركيا بجانب دول الساحل الثلاث، بوركينا فاسو والنيجر ومالي، وقدمت دعما سياسيا وعسكريا في بعض الأحيان للأنظمة الجديدة في تلك البلدان.

ففي مستهل العام الحالي، ظهر رئيس المجلس العسكري الانتقالي في مالي العقيد أسيمي غويتا في حفل تسليم طائرات بيرقدار المسيرة التي تنتجها تركيا، وفي وقت لاحق قام أحمد يلدز، نائب وزير الخارجية التركي المكلف بالشؤون الإفريقية، بزيارة لباماكو قال إنها تأتي لتثمين التحالف الثلاثي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كما انعقدت في منتصف يناير/كانون الثاني من هذا العام أيضا اللجنة الوزارية المشتركة بين بوركينافاسو وتركيا برئاسة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره البوركينابي كاراماكو جان تراوري، ووقعت اللجنة على كثير من الاتفاقيات التي وصفت بأنها مهمة لمستقبل المنطقة.

وقال النقيب إبراهيم تراوري، قائد المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو، في مقابلة مع الصحافة المحلية: “إن الدول الأوروبية منعتنا من شراء السلاح، لكن تركيا وروسيا فتحتا أمامنا كل الأبواب”، وفي أواخر مارس/آذار الماضي أفاد تقرير عن مجلس الوزراء البوركيني أن الحكومة أبرمت عقد تسليح بقيمة تزيد عن 200 مليون دولار أميركي مع شركة “بايكار ماكينا” التركية المنتجة لمسيرات بيرقدار الشهيرة.

وفي النيجر، سبق لتركيا أن وقّعت اتفاقية عسكرية مع نيامي عام 2021 بعد جولة وزير الخارجية حينها مولود جاويش أوغلو. ووفقا لمصادر محلية في الدولة الغرب إفريقية، تتطلع أنقرة لإقامة قاعدة عسكرية في منطقة أغاديس شمال النيجر ذات الموقع الجغرافي الإستراتيجي، على خط التماس مع تشاد وليبيا والجزائر، وفي المقابل ستستفيد السلطات في نيامي من مساعدة أنقرة للسيطرة على مناجم اليورانيوم في المنطقة، وحمايتها من هجمات المتمردين والحركات المسلحة.

مشهد إقليمي مضطرب
تأتي هذه التحركات في ظل اضطراب تشهده القارة السمراء، وتحولات كبيرة في موازين القوى يتصدرها التراجع الكبير للنفوذ الفرنسي ثم الأميركي، والحضور الواضح لروسيا في وسط القارة وغربها. فقبل أيام قليلة (نهاية نوفمبر/ أعلنت تشاد إلغاء اتفاقات التعاون الأمني والدفاعي مع فرنسا، وبالتزامن، نوّه الرئيس السنغالي باسيرو ديومايي فاي في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أن فرنسا ربما تضطر إلى إغلاق قواعدها العسكرية في السنغال، قائلا إن وجودها يتعارض مع سيادة بلاده.

سبق موقف إنجمينا وداكار إعلان الأنظمة العسكرية الجديدة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر بوضوح عن عدم رغبتها في استمرار تحالفاتها السابقة مع المستعمر الفرنسي القديم، مفضلة توجيه بوصلتها نحو موسكو التي وعدت بنموذج جديد يقوم على الشراكة المتبادلة العادلة للطرفين.

لم تكن حظوظ أميركا في إفريقيا أفضل حالا من فرنسا، حيث دعت النيجر واشنطن لإغلاق القاعدة الأميركية على أراضيها، ما أجبر واشنطن على سحب قواتها من البلاد بحلول سبتمبر/أيلول الماضي، وفي المقابل أبرمت اتفاقية تعاون مع روسيا لبناء منظومة دفاع جوي مع استقبال مستشارين ومدربين روس بشكل رسمي.

فيما نفت تشاد بشكل قاطع ما أعلنه الجنرال “كينيث إيكمان (Kenneth Ekman)” من القيادة العسكرية الأميركية لإفريقيا (أفريكوم) بشأن عودة القوات الأميركية مرة أخرى إلى إنجمينا بعد نحو 8 أشهر على إبعادها في أبريل/نيسان الماضي، مؤكدة عدم مناقشة هذا الأمر مع واشنطن بالأساس.

في غضون ذلك، لا تزال “أفريكوم”، وعلى غير المعتاد، تبحث عن قواعد جديدة محتملة للقوات الأميركية في كوت ديفوار وبنين وليبيا لضمان استمرار حضورها في المنطقة.

يترك هذا الغياب الفرنسي والأميركي الساحة خالية أمام روسيا التي أسست وأطلقت الفيلق الإفريقي الذي سيخلف ميلشيا فاغنر في حماية مصالح روسيا في القارة السمراء.

وفيما يبدو، أغرى النجاح المتحقق في غرب القارة روسيا بإكمال مسيرتها صوب الشرق والقرن الإفريقي، وكانت البداية من إريتريا، حيث وصلت الفرقاطة الروسية “المارشال شابوشنيكوف” نهاية مارس/آذار إلى ميناء مصوع الإريتري بمناسبة الذكرى الثلاثين للعلاقات بين البلدين، وقتها قالت وكالة الأنباء الروسية “تاس” إن دخول الفرقاطة إلى البحر الأحمر جاء لتنفيذ “مهام محددة”.

وبصورة مماثلة، عززت موسكو من اتصالاتها مع الجيش السوداني مع إعادة الحديث عن استحقاق القاعدة الروسية في بورتسودان، ويعكس ترحيب الحكومة السودانية بشأن الفيتو الروسي مؤخرا في مجلس الأمن ضد قرار يلزم طرفي الصراع في السودان بوقف القتال حجم التقارب بين البلدين، إذ بعث رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان برسالة شكر إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واصفا الفيتو الروسي بـ”الموقف النبيل”.

أبعد من روسيا، تمتلك الصين هي الأخرى طموحات كبيرة في المنطقة، ولديها قاعدة عسكرية في جيبوتي تطورت على مر السنين، يتمركز فيها لواءان من جيش التحرير الشعبي، بخلاف حضور بحري في خليج عدن منذ عام 2008 لمكافحة القرصنة تم تدعيمه مؤخرا.

ويسعى التنين الصيني إلى توسيع نفوذه من خلال الاستثمارات والمشاريع التنموية بهدف تأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية حيث تمتلك دول شرق إفريقيا احتياطيات كبيرة من النفط والغاز والمعادن، فضلا عن كونها سوقا واعدة للمنتجات الصينية وساحة مهمة للتنافس على النفوذ الجيوسياسي مع الولايات المتحدة.

إدراكا لموقفها المتراجع في هذه المنافسة المحتدمة، تسعى القوى الغربية، لا سيما واشنطن، إلى تعزيز حضورها في القرن الأفريقي، ويعد الصومال بوابة رئيسية لهذه المهمة.

وفي فبراير/شباط الماضي، وقعت أميركا مذكرة تفاهم مع الصومال لإنشاء 5 قواعد عسكرية جديدة مخصصة للواء “الداناب” أو “البرق”، وحدة النخبة في الجيش الصومالي، والذي أشرفت على تدريبه الولايات المتحدة، فيما يسود الترقب بشأن سياسة واشنطن الخارجية نحو المنطقة عقب تأكيد عودة ترامب إلى البيت الأبيض مطلع العام المقبل.

بشكل لا يقل أهمية، كثفت الصحافة العبرية مؤخرا الحديث عن أهمية أرض الصومال للأمن القومي الإسرائيلي وحتمية السعي نحو تمتين العلاقات مع هرغيسا وإقامة قاعدة إسرائيلية عسكرية على سواحل الإقليم الانفصالي أسوة بمذكرة التفاهم الإثيوبية، بينما نشرت وكالة “DW” الألمانية تحقيقا عن نية أبو ظبي تأسيس فيلق أجنبي لحماية مصالحها في القارة الإفريقية.

مستقبل القرن
بالنظر إلى الصورة الأوسع، نجد أن منطقة القرن الأفريقي باتت على صفيح ساخن، من صراع مسلح عنيف في السودان دخل عامه الثاني دون أن يلوح في الأفق القريب بوادر للحل السياسي، إلى توترات داخلية متزايدة في إثيوبيا، وخلافات مكتومة مرشحة للانفجار بين دول المنطقة يُخشى أن تلقي بظلالها على الممرات المائية الحيوية.

وزادت الأمور صعوبة بفعل الاستهدافات المتكررة لجماعة الحوثي في اليمن للسفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها المارة عبر مضيق باب المندب بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة. ويزداد الطين بلة مع التقارير حول تمدد وتصاعد قدرات تنظيم الدولة الإسلامية في إقليم بونتلاند الصومالي، وتحذير مجموعة الأزمات الدولية من أن التنظيم يخوض مرحلة إعادة تشكل جديدة انطلاقا من هناك.

يراقب الفاعلون الإقليميون والدوليون هذه التطورات بقلق، وينخرطون في مجموعة من التحالفات والاتفاقيات السائلة لحماية مصالحهم، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالين كبيرين: في السيناريو الأول، سوف تتزايد حدة المنافسة الإقليمية والدولية على النفوذ والمصالح في منطقة القرن، وتصطف التحالفات لحماية هذه المصالح، وساعتها من المرجح أن تؤدي الاتفاقيات والتحالفات إلى تفاقم التوترات القائمة بين الدول المتجاورة، لا سيما إذا اعتبرت تهديدا للسيادة أو السلامة الإقليمية، ما قد يفضي إلى نزاعات دبلوماسية أو حتى صراعات عسكرية إذا لم تدر الأمور بعناية، ولا يخفى على أحد أن التناقض الحاد في المصالح الوطنية بين الأطراف الفاعلة قد يفضي إلى تدعيم نمط الحرب بالوكالة في المنطقة.

في السيناريو الثاني، الأكثر تفاؤلا، يمكن للاتفاقيات أن تمهد الطريق لزيادة التنمية الاقتصادية والتعاون في المنطقة إذا احترمت مسائل السيادة وراعت المصالح المتعارضة للقوى الفاعلة، فمشاركة تركيا في استعادة الأمن للصومال، على سبيل المثال، يمكن أن تخلق بيئة أكثر استقرارا للأنشطة الاقتصادية مثل التجارة والاستثمار من خلال محاربة القرصنة والقضاء على مهددات الأمن البحري وخطر تمدد الجماعات المسلحة.

على أية حال، لا يزال المسار المستقبلي للاتفاقيات الأخيرة بين إثيوبيا وأرض الصومال وبين تركيا والصومال وبين مصر والصومال غير مؤكد ولا يمكن الجزم به، ولكن بصرف النظر عن مآلاتها البعيدة، من المؤكد أن هذه الاتفاقيات سترسم خلال السنوات القادمة صورة جديدة للقرن الإفريقي، تلك المنطقة التي تتقلب فيها العلاقات، وتتبادل فيها التحالفات مثل أحجية صعبة بلا حل.

Eslam kamal

موقع حرف 24 الإلكتروني الإخباري يهتم بالشأن المصري والعربي يركز على القضايا الاجتماعية ويلتزم المهنية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى