“العمشات” و”الحمزات”.. فصائل في الجيش السوري تتحرك فرديا وولاءها لقياداتها فكيف سيتعامل معها الشرع؟

تصاعدت خلال الفترة الماضية اتهامات بارتكاب مجازر ضد العلويين، في الساحل السوري، وفق شهادات ناجين وتقارير ميدانية، رغم عدم تأكيد أي جهة مستقلة لهذه المزاعم.
و تتداخل الولاءات والصراعات، نشأت فصائل مسلحة كان لها دور بارز في التحولات التي شهدتها سوريا.
من بين هذه الفصائل، برز اسم كل من “فرقة سليمان شاه” و”فرقة الحمزة”، ليس فقط في ميدان المعارك، بل أيضاً في تقارير حقوق الإنسان والعقوبات الدولية.
فماذا نعرف عنهما؟ وكيف ارتبط اسم هذه الفرق بانتهاكات جسيمة، وصلت إلى حد فرض العقوبات الأمريكية عليها؟
بحسب بي بي سي وحديثها مع مصادر مقربة من الإدارة السورية الجديدة، وسألنا عن مدى سلطة رئيس المرحلة الانتقالية على قادة المجموعات المسلحة داخل الفصائل المختلفة خلال المرحلة الحالية.
فرقة سليمان شاه.. صعود “أبو عمشة”
في عام 2018، أسس محمد حسين الجاسم فرقة سليمان شاه، أو ما يُعرف بـ”العمشات”، التي سرعان ما أصبحت أحد الفصائل الرئيسية في الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
عام 2016 أطلقت تركيا عملية عسكرية عنوانها “درع الفرات” على حدودها مع سوريا للقضاء على ما “بممر الإرهاب” المتمثل في خطر تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلين الأكراد السوريين.
وسط حالة الفوضى التي أعقبت التدخل التركي في شمال سوريا، ظهر محمد حسين الجاسم، المعروف بـ “أبو عمشة”، كأحد أبرز قادة الفصائل السورية المسلحة، وأكثرها شهرة بين السوريين، وهو ناشط على منصة X ويتابعه أكثر من 150 ألفاً.
في عام 2018، أسس فرقة سليمان شاه، أو ما يُعرف بـ”العمشات”، التي سرعان ما أصبحت أحد الفصائل الرئيسية في الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
الارتباط بتركيا لم يكن يوماً خفياً عن هذه الفرقة، ولعل اسمها وحده يوضح عمق هذا الارتباط، ف”سليمان شاه” هو جد عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية.
يُعد سليمان شاه رمزاً تاريخياً هاماً في تركيا، حيث يستخدمه الخطاب القومي التركي جزءاً من رواية الاستمرارية التاريخية من الدولة العثمانية إلى الجمهورية التركية الحديثة.
فرقة سليمان شاه، التي تحمل اسمه، استلهمت هويتها من هذا الإرث التاريخي، لكن أنشطتها في شمال سوريا وارتباطها بالجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا أثارت جدلاً واسعاً، خاصة بعد اتهامها بانتهاكات ضد المدنيين في عفرين ومناطق أخرى.
تمركزت الفرقة بشكل رئيسي في عفرين، حيث لعبت دوراً محورياً في العمليات العسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردي.
لكن مع اتساع نفوذه، تحول “أبو عمشة” إلى شخصية مثيرة للجدل، حيث تراكمت حوله اتهامات بالفساد والانتهاكات.
بمرور الوقت، أصبح الرجل أكثر من مجرد قائد عسكري، إذ فرض سيطرته على قطاعات اقتصادية داخل المناطق التي يسيطر عليها، وسط تقارير تفيد بأن نفوذه وصل إلى حد ممارسة السلطة المطلقة داخل الفصيل.
فرقة الحمزة.. من فصيل عسكري إلى ميليشيا متهمة بجرائم حرب
في أغسطس 2023، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على فرقة الحمزة وقائدها سيف بولاد (أبو بكر)، بسبب تورطهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات قتل خارج نطاق القانون، واحتجازات تعسفية، وتعذيب.
برزت فرقة الحمزة، المعروفة بـ”الحمزات”، كواحدة من الفصائل المسلحة المؤثرة في شمال سوريا.
تأسست الفرقة في السنوات الأولى من الحرب السورية، وسرعان ما انضمت إلى الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.
تولى قيادتها سيف بولاد، المعروف بلقب “أبو بكر”، وهو شخصية عسكرية بارزة، ولد في محافظة حلب، وشغل سابقاً منصب قائد “القيادة العامة لمدينة الباب وريفها.
توسعت سيطرة فرقة الحمزة لتشمل مناطق استراتيجية مثل الباب، وجرابلس، وعفرين، مما جعلها لاعباً رئيسياً في المشهد العسكري شمال سوريا.
تُعرف الفرقة بتركيبتها العسكرية الصارمة وانضباطها التنظيمي. ومع ذلك، وُجّهت إليها اتهامات متعددة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
بحسب تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان، تورطت الفرقة في عمليات خطف، وابتزاز، وتهجير قسري، ومصادرة ممتلكات المدنيين، خاصة في مناطق مثل عفرين وشمال حلب.
في /أغسطس 2023، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على فرقة الحمزة وقائدها سيف بولاد (أبو بكر)، بسبب اتهامهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات قتل خارج نطاق القانون، واحتجازات تعسفية، وتعذيب.
ورغم هذه الاتهامات والعقوبات، نفى سيف بولاد (أبو بكر) عبر حسابه على منصة X تورط فرقته في أي انتهاكات ضد المدنيين في الساحل السوري، معتبراً أن هذه الاتهامات جزء من حملة ممنهجة من “فلول النظام السابق وميليشيا قسد الإرهابية”.
تؤكد لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة حول سوريا أن هذه الفصائل متورطة في عمليات قتل خارج نطاق القانون، واستهداف المدنيين على أساس عرقي، حيث كانت عمليات الإعدام الجماعي شائعة في المناطق التي تسيطر عليها.
جاء في بيان الوزارة أن هذه الفصائل مسؤولة عن انتهاكات خطيرة، شملت عمليات قتل خارج نطاق القضاء، واحتجازات تعسفية، وتعذيب، وانتهاكات أخرى ضد السكان المدنيين.
فصائل تحت مظلة وزارة الدفاع الجديدة
ومع سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ 2024، ودخول سوريا مرحلة سياسية جديدة، تسعى الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع إلى إعادة دمج الفصائل المسلحة تحت مظلة وزارة الدفاع. لكن جهودها تتصادم مع تعقيدات عديدة، بدءاً من علاقات الفصائل ببعضها، وصولاً إلى الاتهامات بارتكاب مجازر دموية في الساحل السوري خلال الأحداث الأخيرة.
وفي حديثه لـ بي بي سي عربي، أكد مصدر مطلع ومقرب من الحكومة السورية الجديدة رفض الكشف عن اسمه أن العلاقة بين فرقة سليمان شاه وفرقة الحمزة والإدارة العسكرية الحالية “ودية” وقائمة على التنسيق الوثيق والتعاون العسكري خصوصاً خلال عملية “ردع العدوان” التي أطلقتها فصائل المعارضة لإسقاط نظام الأسد نهاية العام الماضي، مشيراً إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تحسناً كبيراً في مستوى التنسيق بين هذه الفصائل.
في المقابل، يرى عمار فرهود، الباحث في الشأن العسكري، أن العلاقة بين هذه الفصائل والمؤسسة العسكرية تشبه إلى حد كبير العلاقة التي تجمع فصائل الثورة الأخرى بالحكومة الجديدة، لافتاً إلى أن فرقة سليمان شاه قد اندمجت رسمياً داخل الجيش السوري، حيث تولى قائدها منصباً عسكرياً رفيعاً في محافظة حماة، مما يعكس اندماجاً فعلياً داخل المنظومة العسكرية. لكنه أشار إلى أن هذا الاندماج لم يكتمل بعد، إذ لا تزال الفرقة تحتفظ ببعض النفوذ المستقل في شمال حلب، ما يجعل تحقيق الانسجام الكامل تحت قيادة موحدة مسألة تحتاج إلى المزيد من الوقت.
أما وضع فرقة الحمزة فلا يزال غامضاً بحسب فرهود الذي أوضح أنه لا يوجد إعلان رسمي بانضمامها إلى وزارة الدفاع، لكنها في الوقت نفسه لا تعمل خارج سيطرة الحكومة.
وأضاف أنه رغم عدم صدور تصريح واضح بانضمامها، إلا أن مؤشرات عدة تشير إلى أنها تقبل العمل تحت مظلة وزارة الدفاع، لكن ربما هناك تفاصيل تفاوضية تتعلق بإدارة المناطق وطبيعة المهام العسكرية الموكلة إليها على حد وصفه.
بالتوازي مع هذه التطورات، تصاعد الجدل حول المجازر الأخيرة في الساحل السوري، حيث اتهم المرصد السوري لحقوق الإنسان، الجيش السوري والفصائل الداعمة له بتنفيذ عمليات تطهير عرقي وإعدامات ميدانية، مشيراً إلى تورط مقاتلين من “الحمزات” و”العمشات” في 40 مجزرة طائفية خلال 72 ساعة بحسب بيانات له.
ويقول المصدر المطلع والمقرب من حكومة دمشق الجديدة إن “جهات كثيرة فيها أشخاص غير منضبطين، ويقومون بتصرفات محرجة أحياناً للجهة التي ينتمون اليها”، نافياً أن يكون هناك أي محاولة لتبرئة القوات النظامية عبر تحميل الفصائل وحدها مسؤولية ما جرى، مؤكداً أن الفاعلين كانوا أفراداً غير منضبطين، وبعضهم مدنيون مسلحون لا ينتمون لأي تشكيل عسكري منظم.
وأضاف المصدر أن القوات النظامية لم تكن مسؤولة عن هذه الجرائم، بل إن ما حدث كان نتيجة لحالة التعبئة العامة والانفلات الأمني، حيث تحركت مجموعات مسلحة دون أي تنسيق، ما أدى إلى تجاوزات خطيرة.
بدوره، أشار فرهود إلى أن فرقة سليمان شاه لم تعد فصيلاً مستقلاً، بل أصبحت رسمياً جزءاً من الجيش السوري، ما يجعل تحميلها المسؤولية كفصيل منفصل أمراً غير دقيق، موضحاً أن بعض المسلحين الذين ارتكبوا انتهاكات لا ينتمون لهذه الفصائل، بل كانوا جزءاً من تشكيلات أخرى، مثل هيئة تحرير الشام أو مجموعات أخرى ضمن المؤسسة العسكرية.
وفي ظل هذا المشهد، يبرز السؤال حول مدى قدرة أحمد الشرع على فرض سلطته الفعلية على هذه الفصائل، فوفقاً للمصدر المطلع، فإن الشرع يمتلك سلطة حقيقية على قادة الفصائل، وهناك محاولات لدمجها بشكل أوسع داخل الجيش، لكن الأمر يحتاج إلى وقت، موضحاً أن هذه الفصائل بنيت على مدى سنوات وفق قيادات مركزية، ومن الصعب دمجها بين ليلة وضحاها في جيش نظامي، ما يستدعي إعادة ترتيب القوات الأمنية والعسكرية بشكل تدريجي.
لكن فرهود يرى أن الشرع، رغم امتلاكه السلطة الشرعية على مستوى الدولة، لا يملك سلطة مباشرة على قادة المجموعات داخل الفصائل المختلفة على حد وصفه، موضحاً أن الكثير من المقاتلين لا يزالون يتلقون الأوامر من قادتهم السابقين وليس من وزارة الدفاع، وهو ما ينطبق على فصائل أخرى مثل “أحرار الشام” و”أنصار التوحيد.”