أجرى الحوار/ ماهر مقلد:
الدكتور ماجد فرج المؤرخ المصري الذي تخصص في تاريخ أسرة محمد علي، تنبه مبكراً لقيمة الحفاظ على الإرث التاريخي و تمكن من أن يجمع العديد من الوثائق النادرة و المقتنيات التاريخية التى تحفظ رسالة التاريخ و إسهام الأجداد، كما أصدر عددا من الكتب المهمة التي توثق لهذه الحقبة الزمنية من تاريخ مصر الحديث .
أنشأ نادي محمد علي و هو ذاكرة تاريخية واقعية، كما أسس مركز الدراسات التاريخية و كان بمثابة المرجع الأول للباحثين في التاريخ عن تاريخ أسرة محمد علي و في أحداث يناير 2011 تعرض كل من النادي و المركز للتدمير بكل ما كان يضم من تحف و وثائق لا تقدر بثمن .
في هذا الحوار يكشف الدكتور ماجد فرج لـ (حرف 24) عن تفاصيل ما حدث، و عن ارتباطه بالتاريخ و ما الذي يحدث في مصر ؟
و يكشف عن ارتباطه تاريخيا بعصر محمد علي .
فإلى نص الحوار :
*إلى أين تمضي مصر ؟
مصر في مفترق طرق و نتمنى أن تسير في سكة السلامة و هناك تربص بها و هو خطير جدا.
*هل ترى أنه خارجي أم داخلي ؟
مؤمن بالتربص الداخلي و هو أخطر على مصر من التربص الخارجي و المشكلة في التربص الداخلي و في الناس التى تعمل ضد مصر سواء عن جهل أو بسوء نية و هؤلاء يدمرون في مصر..
*عمن تتحدث ؟
عن الجهلاء، عن الناس الذين لا يفهمون مصلحة البلد و هم جهلاء
هل لك أن تعطينا مثالاً ؟
المتشددون دينيا و المتزمتون و هو أساس مشكلتنا و هي أكبر كارثة، ثم هناك كارثة أخرى و هي التشدد الاجتماعي و الذى يغذيه اليساريون و هذا حصل بشكل موسع بعد ثورة يناير و حدث أيضا بعد ثورة 1952 .
* ما يحدث الآن هو محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه ولا يمكن أن ننكر النتائج التى وصلت لها مصر بعد 1952 و بعد ثورة يناير، و هل هى فى صالح البلد أم لا، لكن سؤالي هو هل تقدمنا بعد 52 ؟
الإجابة من وجهة نظرى أننا تراجعنا .
ما الذي تغير بعد ثورة يناير ؟
لا أنكر أنها ثورة و بحكم تخصصي في التاريخ لا أعترف إلا بثورتين في تاريخ مصر، هما ثورة 1919 و ثورة 25 يناير/30 يونيو، أما 1952 فهي أي شىء آخر..
* هل ترى أن تداعيات ثورة 25 يناير ليست في صالح مصر ؟
بالتأكيد هل يوجد شك ؟ أنا أحكم بالتحليل و ليس بالعواطف و بنفس المقاييس.
فبعد 2011 و كنت في التحرير كل يوم، أشاهد كمؤرخ و لكن للأسف كانت النتيجة عكسية تماما، كلمني على النتائج و ليس على النوايا، و الثورة تم اختطافها من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بهدف التخلص من الهوية المصرية، بدليل ما تعرضت له المتاحف المصرية و المجمع العلمي و في مركز الدراسات التاريخية و مكتبة محمد حسنين هيكل في برقاش..
*ما الذى حدث معك بصفة شخصية ؟
كنت قد أسست مركز الدراسات التاريخية في نادي محمد علي الذي أنشأته و حرق و سوي بالأرض بكل التحف و المخطوطات و النيجاتيف( نسخ الأفلام المصورة) الذي كان يحويها و هي ذاكرة لكل عصر محمد علي باشا حتى عصر الملك فاروق، و هى مادة وثائقية كانت تكفي لإصدار 400 كتاب، و كل الباحثين و المهتمين بتاريخ أسرة محمد علي كانوا يترددون على المركز للإطلاع على الوثائق، و هي ثورة قومية انتهت و تم حرقها و تدميرها ، و كان المركز و المتحف يضمان مقتنيات نادرة، من بينها 4 سيارات يعود تاريخها إلى عام 1923 و مخطوطات و أشياء كثيرة جدا، هذه المقتنيات كنت قد اشتريتها من خارج مصر و من داخل مصر و كانت مفهرسة بشكل علمي و بينها لوحات و تماثيل و صور فوتوغرافية و آلاف الإسطوانات التاريخية و 27 جرامفون موديلات مختلفة و راديوهات و أجهزة علمية من القرن التاسع عشر ، متحف كامل ضيعت عمري فيه، حيث بدأت تجميعي فيه كهاو و بعد ذلك تخصصت فيه و صرت محترفاً..
*من كان المستهدف من وراء هذه الأعمال التدميرية؟
في رأيي الشخصي أن المستهدف كان هوية مصر، تاريخ مصر، كنوز مصر، و أكثر شيىء يوجعني فيما يختص بالعصر الحديث هو حرق المجمع العلمي .
*هل يوجد فى قصر عابدين نسخ مماثلة ؟
مكتبة القصر تضم كنوزا و قد زرتها قبل 2011، لكن للأسف الشديد مقفول عليها الآن.
*كيف ترى قصور أسرة محمد علي ؟
كل قصور أسرة محمد علي كان الوعد فيها أنها ستكون متاحف.
الوعد!! ممن كان ؟
*من مجلس قيادة الثورة، و التي كانت ستتحول إلى متاحف و تعود ملكيتها للشعب، لكن للأسف القصور تم إهانتها، كل قصور البشوات تحولت إلى مدارس و مديريات، و من يشاهد حالتها اليوم قطعا لن يكون سعيدا، حيث كانت ثورة معمارية رائعة انتهت بقرار غير مدروس، و كانت النتيجة ما حدث، كما لو كان انتقام و الذي خسر في النهاية هو الشعب المصري، بل خسرت مصر ثروة عقارية لا تستطيع إعادتها .
*لماذا لم تهتم بالتأمين على هذه التحف ؟
لم أفعل و نظام التأمين لا يغطي الثورات أو الكوارث الطبيعية و التأمين كان سيعوضني مقابل خسارتها أموالاً، و ما ضاع ثروة لا تقدر بقيمة مادية.
*كم قيمة الخسائر المادية ؟
لا أهتم بالخسارة المادية، فقد
كان يوجد في المتحف 4 سيارات قبل الثورة من بينها سيارة بنتلى موديل 1951 و ترميف و الفورميولا موديلات الثلاثينات و الأربعينيات، و كانت جديدة بحالة المصنع، و للعلم فإن
أكثر شىء أوجعني هو أنني كنت ذات مرة في الإسكندرية و كنت أحضر عرسا داخل فندق 5 نجوم و حرص منظمو الحفل على وضع ديكور يعود إلى سنوات قديمة جدا كنوع من التغيير، و كان موجوداً في القاعة بجوار العروسين علم لمصر من عهد الملكية و بحالة قديمة جدا، و لفت انتباهي على اعتبار أنه يعود إلى أكثر من مائة عام، فذهبت إلى المنظمين و أخبروني أن هناك محل فراشة هو المسئول عن الديكور في منطقة سيدي بشر بالإسكندرية، و حصلت على عنوانه و ذهبت و قابلت صاحب الفراشة و قلت له أنا شاهدت العلم و أريد أن أشتريه، فقال لي لى هذا العلم نتوارثه عن جدودي و هو موجود معنا منذ عام 1923 و غير معروض للبيع و للمعلومة فإن هذا العلم هو العلم الأخضر الذى تم اعتماده مع تأسيس المملكة المصرية فى عام 1922..
فقلت له أنا مستعد لدفع المبلغ الذي تطلبه، فقال ليس للبيع ، و مع هذا أصر على تقديم واجب الضيافة لي، و بعدها حضر أحد العاملين معه و عندما شاهدني، همس في أذنه بكلمات لم أسمعها، ثم قال لي بعدها هل أنت حقا الدكتور؟ فقلت له نعم، فقال: كنت أشبه عليك و لكني تأكدت و عليه لن أبيع لك العلم و إنما سأهديك العلم، ليس هذا فحسب، بل سأعطيك علما آخر بحالة ممتازة جدا و لفه في ورقة و هو الوحيد الذى نحتفظ به، تعجبت و سألته: لماذا تفعل كل هذا؟! فقال : لأنني لن أجد أعز منك يحافظ عليه، لحظتها شعرت بشىء غريب و لهذا أعتبر أن هذا العلم هو أغلى شىء فقدناه، لأنه العاطفة التي نقلها لي هذا الرجل و رفض أن يبيعه و أعطاني إياه مجانا و هو تعبير عن عاطفة جياشة من رجل مصري بسيط..
و كانت توجد كاميرات ارتفاعها متران و أشياء أخرى لا تقدر بمال .
*هل فقدت كل شيىء ؟
أحتفظ بأشياء بسيطة و بقايا حطام للتماثيل من عهد الملك فؤاد و فاروق و تم سرقة التماثيل البرونز..
*هل فكرت أن تبيع اللوحات ؟
أبيع اللوحات؟!!! ماذا أعمل بالفلوس؟!.
على سبيل المثال، السيارات، تلقيت في ذلك الوقت عروضا بأرقام فلكية و رفضت أن أبيعها.
*كيف جمعت هذه الوثائق؟
كنت أحضرها من الخارج إلى داخل مصر بعد شرائها..
و قد كانت وصيتي هي التبرع بالمتحف إلى مكتبة الإسكندرية، كما فعل أستاذي المخرج الكبير شادي عبد السلام، و كان حلمي أن يكون لي قاعة بجوار أستاذي شادي عبد السلام .
*من تتهم إذن بعد كل هذه السنوات؟
المتهمون في نظري هم السلفيون و الإخوان و كافة التيارات الإسلامية، بالاشتراك مع البلطجية و اللصوص الذين انتهزوا فرصة الفوضى أيامها..