اليوم.. ذكرى استشهاد أديب الشيشكلي أفضل رؤساء سوريا على الإطلاق

الرئيس السوري أديب الشيشكلي، هو الرئيس الأوفر حظا من رؤساء سوريا في الاستئثار بالوطنية و محبة سوريا و الشام، و كان يخطط لإنشاء دولة موحدة من بلاد الشام سوريا و لبنان و فلسطين و الأردن، لكن يد الغدر طالته و أجبروه للتنازل عن الحكم، ثم ترك محبوبته سوريا بعد أن جعلها متقدمة عن جاراتها من بلاد الشام، و أقام في البرازيل، و لكن نظام صلاح جديد و حافظ الأسد اغتالوه في البرازيل..
فما هي قصته؟!
و الحقيقة أن سوريا ضاعت لأنهم تخلوا عنه، جعلها متقدمة زراعياً وصناعياً، وزع الأراضي والبيوت وأدخل الكهرباء للريف ولبيوت الفقراء
و هو صاحب العهد الذهبي لسوريا في العصر الحديث، والذي رفض بيع سوريا بمليون جنيه ذهب.
قال أديب الشيشكلي احذروا الجبلين -جبل الدروز وجبل العلويين- ليس لأنه عنصري بل لإدراكه أن الغرب يستعمل الأقليات كحصان طروادة بضرب الوطن من الداخل، ودلالة على مدى وعيه للخطر المستقبلي الذي يهدد سوريا، وقد تحققت نبوءته، وتنبأ بأن إسرائيل إن لم يتم إنهاء وجودها ستقوم بإحتلال الجولان لِما يشكله الجولان من موقع وإرتفاع إستراتيجي، ولِما يحتويه من مياه وأراض خصبة.
قصة الرئيس أديب الشيشكلي حاكم سوريا من عام 1949م إلى عام 1954م.
نشأته ونشاطه السياسي
ولد أديب الشيشكلي في حماة بسوريا عام 1909 لعائلة من ملاك الأراضي، وكان المخطط لحياته أن يهتم بأملاك أسرته الزراعية فدرس في المدرسة الزراعية بمدينة السلمية، ولكن حبه للعسكرية وحلمه للوصول للسلطة جعله ينتسب لكلية حمص العسكرية وبعد تخرجه عُين ضابطاً في جيش الشرق الذي أنشاه الانتداب الفرنسي في سوريا.
كان في شبابه يؤمن بوحدة سوريا والعراق وفلسطين والأردن ولبنان نتيجة إنتسابه للحزب السوري القومي الاجتماعي، وهذا ما جعله يترك سوريا عام 1941م ويذهب للعراق للمشاركة بثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الاحتلال البريطاني، وبعد هزيمة الثورة عاد الشيشكلي إلى سوريا.
–
–
محاولته تحرير سوريا من إستعمار فرنسا
في عام 1945م انشق عن جيش الشرق الفرنسي وشارك بثورة الفلاحين في حماه وسيطر هو وأخيه صلاح الشيشكلي وأكرم الحوراني على قلعة حماه، ووضع الشيشكلي خطة للتقدم نحو دمشق لتحريرها من الإحتلال الفرنسي، ولكن التدخل البريطاني أفشل المحاولة، ولكن كان لثورة حماه دور في إنهاك الاحتلال الفرنسي في سوريا، ما جعل فرنسا تنسحب من سوريا عام 1946م فانتسب الشيشكلي للجيش السوري وشارك في إستعراض الجلاء العسكري.
حرب فلسطين وبداية الإنقلابات
في عام 1947م تطوع في جيش الإنقاذ الذي يستعد للقتال في فلسطين، وقاتل ببسالة في حرب فلسطين عام 1948م فقد كان قائداً لفوج اليرموك، ولكن فساد رئيس الوزراء السوري جميل مردم بيك والذي كان يتولى أيضاً وزارة الدفاع، وتعمد الحُكم السوري تأخير دخول الجيش إلى فلسطين، وإهمال نداءات التجنيد والتسليح أدت إلى الهزيمة في فلسطين، وكانت هذه الهزيمة سبباً في اشتراك أديب الشيشكلي في الإنقلاب الذي أدى لخلع الرئيس شكري القوتلي وتعيين حسني الزعيم رئيساً لسوريا عام 1949م
ولكن حسني الزعيم انحرف عن المسار الذي وعد بتطبيقه فسعى لعمل صلح مع اسرائيل وسلم انطوان سعادة وأبقى الطبقة السياسية الفاسدة، فاشترك الشيشكلي مع سامي الحناوي في خلع حسني الزعيم عام 1949م.
سيطرة أديب الشيشكلي على الحكم
سعى سامي الحناوي لتسليم سوريا للاحتلال البريطاني بصورة وحدة مع العراق الخاضع للنفوذ البريطاني، فانقلب عليه أديب الشيشكلي قبل أسبوع واحد من تنفيذ الصفقة وانقذ سوريا من الاحتلال البريطاني وسيطر أديب الشيشكلي على حكم سوريا في 1949/12/19م، وأصبح الشيشكلي هو حاكم سوريا الفعلي ويقوم بتعيين الرؤساء كواجهة.
بدأ أديب الشيشكلي حكمه لسوريا بتعيين هاشم الأتاسي رئيساً وأعطاه الحرية الكاملة في تعيين من يتولى المناصب باستثناء منصب وزير الدفاع، وشكل أديب الشيشكلي مجلس عسكري وترأسه، وقام الشيشكلي بتعيين أكرم الحوراني ثم فوزي السلو كوزراء للدفاع، ولكن في عام 1951م حاول الرئيس السوري هاشم الأتاسي مخالفة الاتفاق بأن يتولى رئيس الوزراء معروف الدواليبي منصب وزارة الدفاع، فقام الشيشكلي باعتقال رئيس الوزراء وعدد من رجال الدولة فاستقال الأتاسي من رئاسة سوريا، لينتهي بذلك ما عرف ب “الحكم المزدوج”، وقام أديب الشيشكلي بتعيين فوزي السلو رئيساً جديداً لسوريا.
وفي عام 1953 دعا لانتخابات نيابية فاز خلالها حزبه حركة التحرر العربي ب 60 مقعداً من أصل 82 مقعداً ورشح مجلس النواب الجديد الشيشكلي للرئاسة من دون منافس ليحصل على 90٪ من الأصوات، وتولى الرئاسة في 1953/07/11م وبهذا أصبح الحاكم العلني والفعلي لسوريا بعدما كان يحكم من خلف ستار.
تأميم الكهرباء وإيصالها لبيوت وريف سوريا
في عام 1951م أصدر الشيشكلي قراراً بتأميم شركات الكهرباء في سوريا، والتي كانت فرنسية وأمريكية، حيث بدأ الخلاف عندما طلب منهم زيادة كمية الكهرباء لإيصالها إلى كافة أنحاء سوريا، وكذلك اعتراضاً على اسعارهم العالية فكان لا يستطيع الاستفادة منها إلا السوريين الأثرياء، وبعد التأميم قام ببناء المرافق لإنتاج الكهرباء بتكلفة أقل على المواطن، حيث كانت مشاريع الشيشكلي الكهربائية سبباً في زيادة إنتاج الكهرباء بمقدار 33 مليون كيلو واط خلال ثلاث سنوات، وقام بإيصالها إلى الريف، وكافة مناطق المدن، وبإصلاح وإنارة الشوارع، وبالاستفادة منها في زيادة عدد المصانع ونشاطها.
رفضه أن يبيع سوريا بمليون جنيه ذهب
رفض أن يبيع سوريا لبريطانيا مقابل مليون جنيه ذهب ومنصب عالي، حيث عرضت عليه المخابرات البريطانية أن يسلم سوريا لتتوحد مع العراق الخاضع للاحتلال البريطاني تحت حكم الملك فيصل الثاني وأن يتولى الشيشكلي منصب نائب الملك وقائد الجيش في الدولة الموحدة، ولكن الشيشكلي رفض أن يفرط باستقلال سوريا ورفض الذهب المقدم له، ثم أتاه عرض أمريكي بأن تدخل سوريا بنفوذها بصيغة أن يتولى الوصي عبد الإله حكم سوريا وأن يكون الشيشكلي نائبه ولكن الشيشكلي رفض العرض مرة أخرى، حيث عُرف عن الشيشكلي محاربته للنفوذ الغربي سواء البريطاني أو الأمريكي أو الفرنسي.
الشيشكلي يحقق نهضة صناعية
كان لإيصال الكهرباء للمصانع وزيادة عددها، دور كبير في زيادة الإنتاج الصناعي الذي حقق أرقاماً قياسية زمن حكم أديب الشيشكلي، وهذه قائمة وأمثلة بسيطة تظهر النهضة الصناعية التي حققها أديب الشيشكلي في الصناعة ما بين إنتاج سوريا قبل إستلامه وما وصلت له زمن حكمه:
* الاسمنت: قبل الشيشكلي 68 ألف طن أصبحت زمن الشيشكلي 224 ألف طن.
* الغزل: قبل الشيشكلي 5500 طن أصبحت زمن الشيشكلي 6600 طن.
* غزل الحرير الصناعي: قبل الشيشكلي 800 طن أصبحت زمن الشيشكلي 1200 طن.
* عدد محالج القطن: قبل الشيشكلي 30 محلجاً أصبحت زمن الشيشكلي 110 محالج.
* عدد مغازلة القطن: قبل الشيشكلي 10000 مغزل أصبحت زمن الشيشكلي 92000 مغزل
وفي عهده حققت سوريا رقماً قياسياً في إنتاج الزجاج حيث بلغت 5500 طن، وبنى مشروع مرفأ اللاذقية الذي يتسع لتفريغ 800 ألف طن من البضائع، وقد طبق نظام الضرائب التصاعدية وخفف الضرائب على المشاريع الصغيرة وذوي الدخل المحدود.
الشيشكلي يحقق نهضة زراعية
نفذ الشيشكلي خطة زراعية لتصبح سوريا مستقبلاً أكبر مصدر للسكر وسكر البنجر، حيث بعد أن كانت سوريا تستورد السكر، قام ببناء مصنع السكر في حمص، وزرع مساحات واسعة من سوريا بالسكر، ونجح في ذلك نجاح باهر، حيث غطت إحتياجات سوريا وفوق ذلك، بلغ إنتاج سوريا للسكر في عام 1953م 30 ألف طن، وفي عام 1954م 40 ألف طن، وسلم سوريا وقد زرع في أرضها 4600 هكتار من سكر البنجر والتي أنتجت عام 1954م 50600 طن.
–
ودعم مكنكة الزراعة، ما يؤدي لزيادة أكبر في الإنتاج وتخفيف الظلم على الفلاح، وقام بإستصلاح 120 ألف دونم من الأراضي لتصبح أراضي زراعية، وكان نصيراً للفلاحين الفقراء فأمر بتوزيع أراضي من أملاك الدولة على الفلاحين ممن لا أرض لهم، وباشرت الدولة بتوزيع 5 ملايين هكتار على 50 ألف أسرة فلاحية فقيرة، ومنح البيوت ل 25 ألف أسرة، وعاشت سوريا في عهده بطمأنينة وإزدهار، وانخفضت نسبة الجرائم وحوادث السرقة والسطو، لتعش سوريا عصراً متقدماً لم تشهد مثله في العصر الحديث.
أديب الشيشكلي وفلسطين
–
وأنا أقرا كتاب (معجم بلدات فلسطين) لفتني العدد الكبير من مناطق شمال فلسطين التي ورد فيها إسم أديب الشيشكلي بأنه قاتل فيها وحررها لولا الخيانة وتعمد قطع الدعم عنه الذي أدى للهزيمة في حرب فلسطين عام 1948م وإحتلالها.
–
وفي عام 1953م عرضت أمريكا على الشيشكلي مبالغ طائلة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وتحويلهم لسوريين ولكن الشيشكلي رفض ذلك، وقابل العرض الأمريكي بشعار (لا قبول للهزيمة)، وفي إحدى خطاباته قال جملة كانت سبباً في عداء الغرب له وهي: (إن الطريق من دمشق إلى الخليل سيكون سالكاً أمام الجيش السوري).
–
–
بداية التمرد ضده
–
كانت سوريا قبل الشيشكلي خاضعة لنفوذ السياسيين والعسكريين، ولكن بعد سيطرته، لم يبقى في سوريا متحكماً غيره، وهذا ما جعل السياسيين بمختلف إنتمائاتهم يتهمونه بالدكتاتورية والاستبداد، وخاصة بأنه خلال حكمه قام بحل الاحزاب، وأسس حزباً واحداً ليقود الدولة وهو “حزب التحرر العربي”، والذي كان مزيجاً من القومية العربية وقومية الهلال الخصيب، وزاد الطين بلة إعتقاله عدد كبير من كبار السياسيين السوريين في نهاية عام 1953م رداً على زيادة مواجهتهم له.
–
فتدخل نظام الحكم في العراق في هذه الأزمة ودعم تمرد للدروز في السويداء والذين هاجموا مؤسسات رسمية، فواجههم الشيشكلي بالقمع المسلح، ما أدى لإنتشار مظاهرات في حلب وحمص، وقاد الضابط مصطفى حمدون الموالي لأكرم الحوراني عصياناً في حلب، فانضم للعصيان ضباط من الرقة ودير الزور والحسكة وحمص وحماة ودرعا واللاذقية ووجهوا إنذاراً للشيشكلي بالاستقالة وبمغادرة البلاد.
–
في محاولة أخيرة من الشيشكلي لحل الأزمة إجتمع مع أكرم الحوراني الذي يتبعه مصطفى حمدون قائد العصيان، وعرض الشيشكلي على الحوراني منصب رئيس الوزراء وصلاحيات في إدارة الدولة مقابل إستمرار الشيشكلي بمنصب الرئاسة، فرفض الحوراني الذي طالب الشيشكلي بالديمقراطية والحرية.
–
–
الإستقالة ومحاولة العودة
–
رغم أن عدد كبير من قطاعات الجيش السوري بقيت موالية له، ولكن الشيشكلي فضل الاستقالة على أن يُدخل الجيش في حرب دموية أو يدخل سوريا في حربٍ أهلية، فاستقال في تاريخ 1954/02/25م، وغادر إلى بيروت ومنها إلى السعودية.
–
ولكنه عاد سراً إلى لبنان وهنالك معلومات تقول بأنه دخل سوريا سراً عام 1956م و1957م لمحاولة أن ينفذ انقلاباً جديداً يعيده للحكم، بالاستعانة بمن تبقى من الضباط الموالين له ومن تبقى من الضباط القوميين السوريين، ولكن محاولته تم كشفها، وحُكم عليه غيابياً بتهمة الخيانة فغادر إلى باريس.
صورة التقطت للرئيس السوري الراحل أديب الشيشكلي في البرازيل قبل اغتياله بأسبوع..
وفي عام 1960م ذهب إلى البرازيل حيث أنشأ مزرعة وانقطع عن كل اتصال سياسي، وبعد وصول العلويين للحكم كلفوا الدرزي حمد عبيد باغتيال أديب الشيشكلي والذي كلف الدرزي نواف غزالة والذي قام بقتل الرئيس الشهيد في بلدة سيريس في تاريخ 1964/09/27م، وبعد عام فقط تمت مكافأة حمد عبيد بمنصب وزير الدفاع، وأما الرئيس أديب الشيشكلي فقد تم نقله ودفنه في مدينة حماه السورية.
** هل تصدقوا بأنه بعد تنازله وجدوا على مكتبه مخطط مستقبلي لتحويل الصحراء بين حمص وحدود العراق إلى غابات خضراء، وهذا نموذج بسيط على ما خسره السوريون بنهاية حكمه.