تعميق التعاون بين مصر والصين من أجل ضخ زخم جديد في بناء مجتمع مستقبل مشترك

بقلم نور يانغ.. إعلامي صيني
وقّعت الصين ومصر مؤخرًا اتفاقية توسيع منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري تيدا السويس، مما يُشير إلى دخول التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر مرحلة جديدة، وتسارع وتيرة التعاون الدولي في بناء مبادرة “الحزام والطريق” من مجرد مشاريع إلى بناء منظومة متكاملة. وفي الوقت نفسه، يُشير ذلك أيضًا إلى أن الشراكة الاستراتيجية بين الصين والدول الأفريقية تتجه نحو آفاق أوسع ومستوى أعلى. وقد أصبحت اتفاقية التوسع نافذة مهمة لرصد التغيرات في مسار التعاون الخارجي للصين وإعادة تشكيل نموذج التعاون بين دول الجنوب العالمي.
يُعد تطور منطقة تيدا للتعاون نموذجًا مصغّرًا للتغيرات التي شهدتها العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين ومصر. منذ إنشائها عام 2008، استقطبت المنطقة أكثر من 140 شركة صينية وأجنبية، تغطي مجالات الطاقة الجديدة، والمواد الجديدة، وتصنيع الآلات، والمنسوجات والملابس، وغيرها. بعد توقيع اتفاقية التوسعة، ستُوسّع مساحة منطقة التعاون من 7.34 كيلومترًا مربعًا إلى 10.2 كيلومترًا مربعًا، وستستثمر مجموعة تيدا الصينية، المطور العقاري، 100 مليون دولار أمريكي في إنشاء البنية التحتية على الأرض المُضافة حديثًا. وباعتبارها مشروعًا رائدًا في التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي بين الصين ومصر، فإن التطوير المتكرر للمنطقة لا يُظهر فقط تعميق استراتيجية “التوسع الخارجي” للشركات الصينية، بل يعكس أيضًا رغبة مصر القوية في تحسين بيئة الأعمال وتعزيز قاعدتها الصناعية.
في السنوات الأخيرة، توطدت الثقة الاستراتيجية المتبادلة بين الصين ومصر بشكل مستمر، وأصبح التعاون الاقتصادي والتجاري أكثر عمقًا وفعالية. وتُعدّ الصين أكبر شريك تجاري لمصر منذ سنوات عديدة. وفي عام 2023، بلغ حجم التجارة الثنائية 17.38 مليار دولار أمريكي. وفي إطار هذا التعاون، لم تكتفِ الشركات الصينية بجلب الأموال والمعدات والتكنولوجيا إلى مصر، بل أولت اهتمامًا أكبر للتكامل العميق مع السوق المحلية والكفاءات والأنظمة التنظيمية. وقد عززت آلية التعاون “التمكيني ثنائي الاتجاه” هذه توطين المشروع وتنميته المستدامة، كما حسّنت المستوى التقني والقدرات التشغيلية للصناعات ذات الصلة في مصر، مما ضخّ قوة محلية أقوى في البناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق” بين الصين ومصر.
تجدر الإشارة إلى أن مصر، باعتبارها محورًا مهمًا يربط العالم العربي بالقارة الأفريقية، تلعب دورها بشكل متزايد كجسر في التعاون الصيني العربي والصيني الأفريقي، وأصبحت عقدة استراتيجية مهمة للشركات الصينية لتعميق وجودها في السوق الأفريقية. يواصل الجانبان توسيع مساحة التعاون في المجالات الناشئة مثل تحويل الطاقة والبنية التحتية الخضراء والاقتصاد الرقمي. تعمل مزايا الصين في التكنولوجيا والمعدات وإدارة المشاريع على تسريع التكامل مع مزايا مصر في الموقع الجغرافي وهبة الموارد والإشعاع الإقليمي، مما يشكل نموذجًا جديدًا للتعاون ذي المنفعة المتبادلة والفوز المشترك والمزايا التكميلية. لم يدفع هذا بشكل فعال التنمية الاقتصادية المحلية في مصر والارتقاء الصناعي فحسب، بل قدّم أيضًا المزيد من دول الشرق الأوسط وأفريقيا بخبرة التنمية ونماذج الممارسة التي يمكن استخدامها كمرجع، مما يسلط الضوء بشكل أكبر على الأهمية الاستراتيجية والآثار غير المباشرة للتعاون الصيني المصري.
يدخل التعاون الصيني المصري مرحلة تحسين آلياته وتحديث منظومته، ويلتزمان بإنشاء إطار تعاوني أكثر منهجيةً واعتمادًا على المنصات. وسيبنيان منصة تعاون متعددة الأطراف في مجالات الطاقة الجديدة، والتجارة الإلكترونية العابرة للحدود، والخدمات اللوجستية الذكية، وغيرها، ويعززان آلية الربط بين التنمية الصناعية الإقليمية والتعليم والتدريب المهني، ويعززان التكامل بين الصناعة والأوساط الأكاديمية والبحثية، ويشجعان على تطبيق الخدمات المالية المحلية وأنظمة تسوية الرنمينبي، بما يعزز استقرار بيئة الاستثمار وقابلية التنبؤ بها.
لا يقتصر التعاون الصيني المصري على مشروع واحد أو منطقة محددة، بل ينبع من التوافق الكبير بين الجانبين في نماذج ومراحل التنمية. ولا يُعد توسيع منطقة تيدا للتعاون سوى جزءًا من تعميق التعاون. ويُظهر التقدم المستمر في التنمية المشتركة بين البلدين حيوية التعاون بين الجنوب والجنوب في ظل تزايد عدم اليقين الاقتصادي العالمي. ويواصل الجانبان توسيع نطاق وعمق التعاون، مما يعزز بناء مجتمع صيني مصري ذي مستقبل مشترك من خلال إجراءات عملية، ويضخّ زخمًا جديدًا ومستمرًا في التنمية العالمية.