دكتور صابر حارص يكتب: في واقعة طبيبة سوهاج.. المحافظ أصاب و نقابة الأطباء تخلط الحق بالباطل بشكل فئوي
في واقعة طبيبة المراغة و المحافظ، أرى أنه ما كان ينبغي لرئيس الوزراء أن يعتذر لها على الهواء أو أن يستقبلها المحافظ أو أن يحدد الوزير موعداً للقائها بالقاهرة، إذ هذا يعتبر نوعاً من الترهيب الجماعي من نقابة الأطباء للجهاز الإداري للدولة في أعلى قمة هرمه، فكيف يحاسب المسؤول من مدير المستشفى حتى وكيل وزارة الصحة أو غيرها من الوزارات مرؤوسيه على أخطائهم التي يراها و في القلب منها ما يعرض حياة الإنسان للخطر؟!!
تلك الواقعة التي أحالها محافظ سوهاج إلى التحقيق، كانت صاحبتها مدعية المظلومية في مكتبها بدون أي عمل، بينما يمكث الآباء والأمهات وهم يحملون أطفالهم المرضى خارج العيادة، لدرجة أن إحدى الأمهات تقول: (الواد هيموت مني)..
و علينا أن نشير إلى أن تلك الواقعة لاقت استحسانا كبيرا من المجتمع باستثناء أعضاء نقابة الأطباء، الذين يتعاملون بسياسة الفئوية لا بسياسة النظر إلى المصلحة العليا للمريض، إذ يعتبرون أن عدم امتلاك التذكرة حجة كافية لأن تجلس الطبيبة بلا عمل، كما ظهرت غرفتها في الفيديو المتداول خالية تماما من أي مريض، كما أن مجرد استنكار المحافظ للأمر بقوله للطبيبة: أنت معندكيش رحمة، اعتبرت النقابة أن هذا القول تجاوزا أو تعنيفا للطبيبة..
والحقيقة أن عدم وجود التذكرة لا يمنع الطبيبة من الكشف على المريض، لأن التعامل مع المرض والمرضى لا يتم بهذا الأسلوب الروتيني الذي نشجبه في المستشفيات الخاصة، فما بالك اذا تم التعامل به في المستشفيات الحكومية!!
وفي كثير من الحالات المشابهة يقوم الطبيب بتوقيع الكشف الطبي على المريض، وأثناء ذلك يطلب من أهل المريض إحضار التذكرة الطبية لكتابة العلاج عليها، فيستجيب أهل المريض حتى من باب المنفعة والمصلحة
ولأننا جميعا نعلم وأهل الطب يدرسون ذلك بانسانية رسالة الطب قبل أن تكون وظيفة روتينية أو تجارية، فكان أمام طبيبة المراغة أن تعطي هذه الجنيهات الزهيدة للعامل أو لأم الطفل لشراء التذكرة، وليس معنى هذا أن كل المرضى يدخلون بدون تذاكر طبية، أو يقوم الأطباء بشراء تذاكرهم.، لكن الحالات المرضية تقدر بقدرها، فلا مانع مطلقا أن يقدر الطبيب الحالة التي أمامه خاصة وأن سعر التذكرة زهيد لا يذكر
ألم يسمع الأطباء عن الضابط الذي يقوم بدفع مبلغ كبير لإحدى الغارمات من باب الإنسانية حتى يقيها من النيابة والحبس
ألم يمر على طبيبة المراغة أبدا حالة مريض من معارفها أو أقاربها لتعرف ماذا تفعل لطفل حالته خطرة وأمه ليس معها تذكرة؟ ألم تقدر الطبيبة مشاعر الأم على طفلها! لتقرر بعدها وجود تذكرة أم لا؟
وضع المحافظ نفسه مكان الأم، وتصرف مع الطبيبة تصرف محترف فاهم شغله جيدا، وهو لم يعنفها كما ترى المواقع الصحفية، ولكنه أظهر لها رسالة الطبيب الانسانية قبل الوظيفية، فقال لها أنت معندكيش رحمة، وهو قول نقوله لبعضنا البعض في العمل كثيرا، ومن انسانية المحافظ فقد التقى هذه الطبيبة بمكتبه وطيب خاطرها بقوله: كان كلامي معك حديث الأب لبنته
وللأسف فإن المناخ العام الذي رسخ لدى الأطباء أن راتبهم قليل، وأن مجرد الجلوس في المكتب نهارا أو ليلا حتى بدون عمل كاف تماما لهذا المرتب الزهيد، هو فلسفة خاطئة
ليست عند الطبيب فقط ولكنها في سائر وظائف الدولة عامة وهو عامل رئيس مما وصلنا إليه حاليا من تردي في التعليم والصحة وغيرها
إن ضعف المرتب ليس حجة لتدني مستوى العمل، ولا ينبغي أن يكون كذلك، فمن لم يعجبه مرتبه فعليه أن يقدم استقالته، ولا يكون سببا في معاناة الناس وضررهم
واقعة طبيبة المراغة ليست قصرا عليها، ولكنها منتشرة في كل مستسفيات سوهاج وربما الصعيد، وهي تمثل شكلا من أشكال الإهمال الذي يحتاج لتكاتف الجميع وليست جهود المحافظ فحسب
لقد قرأت كل الآراء التي لم يعجبها تصرف المحافظ، ولم أقتنع بأي منها، كلها أراء ستصب في النهاية لتبرير الفساد واستمرار الإهمال في قطاعات الدولة وخاصة المستشفيات الحكومية
وأقول لهؤلاء والسيد المحافظ أيضا: أحيانا تقوم هذه المستشفيات بالعلاج الخاطئ الذي يؤذي المريض أكثر ، وكلنا يعرف عشرات الحالات التي قام أطباء مستشفى حكومي ب”كلفتتها” وعدم الاهتمتم بها وخاصة في تخصص الجراحة وترتب عليها أضرارا كبيرة كلفت المريض أعباء إضافية..
نقابة الأطباء بسوهاج تدافع عن نفسها، شأنها شأن بقية فئات المجتمع في هذا الزمن الذي نعيشه، زمن تقدم فيه المصالح الخاصة على المصلحة العامة
سيادة المحافظ وعقلاء هذا المجتمع يجب أن يؤمنوا بأنه لا سبيل لإحراز أي تقدم أو إصلاح أو تحسين في خدمات المواطن إلا بنفس الأسلوب الذي اتبعه محافظ سوهاج الأسبوعين الماضيين، وهو أسلوب يجب تعميمه على مصر كلها أيا ما كان، وأيا ما صدر من اعتذار للطبيبة من جانب وزير الصحة، فإن هذا الاعتذار من باب تطييب الخاطر، ولا يقلل من أهمية وقيمة تصرف المحافظ الانساني الذي يعرفه أهل الطب تماما
توافد المرضى على الطبيبة فقط بعد استنكار محافظ سوهاج جلوسها متلكأة على التذكرة بلا مرضى
الأطباء ونقابتهم أو المعارضين لتصرف المحافظ تركوا قرارات مهمة وعظيمة مثل نقل مستشفى المراغة، ومعوقات الكوبري العلوي، وإقالة مدير المستشفى ونائبه نتيجة الواقع الذي رآه المحافظ وسكوتهم واستسلامهم للإهمال والتراخي في القيام بالواجبات، تركوا هذا كله رغم عظمته وأمسكوا في سعر التذكرة كمال عام يجب أن تحافظ عليه الطبيبة
الأمر الذي يدعو للتساؤل: هل الكشف على طفل مريض حالته خطيرة بدون تذكرة أصبح إهدارا للمال العام؟ أو هو دعوة لكل المرضى لتوقيع الكشف الطبي عليهم بدون تذكرة زهيدة الثمن؟!
المحافظ يناقش الطبيبة الخالي مكتبها و هي لا تهتم للمرضى
ثم ما علاقة الإمكانات الضعيفة بالمستشفى بواقعة الكشف على الطفل، فالمعتاد أن يقوم طبيب المستشفى بالكشف الطبي ويكتب لهم علاجا يشتروه من الخارج اذا كان غير موجود
خلاصة الكلام أن ما قام به المحافظ يجب أن يلقى الدعم، وعدم خلط الأوراق، وتقديم المصلحة الفردية أو النقابية على المصلحة العامة، فنحن في أمس الحاجة إلى أن يكون كل المسئولين كمحافظ سوهاج..