زمن العزة.. ذكرى معركة دير العاقول بين العباسيين و الفرس.. انتهت بسحق الفرس و إغراقهم في نهر دجلة بسبب قصيدة لهم شتمت العرب

أيام كان للعرب سيف و درع، تجمعهم خلافة واحدة و جيوش واحدة لهم قوية مرابطة، و هدفهم إعلاء كلمة الله تعالى في الأرض، ذكر أحدهم قصيدة شتم فيها العرب و الهاشميين و توعد العباسيين بدحر خلافتهم و استعادة ملك الأكاسرة، فكانت معركة دير العاقول التي أغرق فيها جيش الخلافة العباسية جيوش الصفاريين الفارسيين في نهر دجلة و سحقهم جميعاً و أهلك دولتهم..
ففي مثل هذا اليوم
انتصر العباسيون على الجيش الصفاري في معركة دير العاقول.
وكان ذلك في 13 رجب 262 هجري
والموافق في تاريخ 876/04/12م.
وكان الجيش العباسي بقيادة الأمير العباسي الموفق طلحة وعدده 10000 مقاتل، والجيش الصفاري بقيادة الأمير يعقوب الصفاري وعدده 60000 مقاتل، ووقعت المعركة في منطقة دير العاقول التي تبعد 80 كيلومترا جنوب شرق بغداد.
–
–
البداية
–
–
في عام 873م نجح الأمير يعقوب بن الليث الصفاري حاكم منطقة سيستان الواقعة داخل ولاية خراسان بالسيطرة على كامل ولاية خراسان، وقام بخلع الوالي العباسي فيها محمد بن طاهر الخزاعي، وأرسل للخليفة العباسي المعتمد يطلب منه أن يقره واليا على ولاية خراسان، فأرسل له الخليفة بالخلع وكافة المراسيم التي تعترف به والياً على خراسان ونائباً عن الخليفة فيها.
–
ولكن ظهرت أمور أغضبت العباسيين، ومنها إصدار يعقوب بن الليث الصفاري قرارا بجعل الفارسية لغة رسمية ومنع الحديث باللغة العربية في قصره، وكما أنه بدأ يتوسع عسكريا داخل ولاية فارس العباسية دون إذن الخليفة، وهذا أدى لتحول الصفاريين إلى خطر حقيقي يهدد وجود الدولة العباسية، وخاصة بعد أن نجح الأمير يعقوب في السيطرة على كامل ولاية فارس عام 875م.
–
–
العرض العباسي لتجنب الحرب
–
–
عرض الخليفة العباسي المعتمد على الأمير يعقوب أن يقره واليا على خرسان وفارس مقابل إلغاء كافة الإجراءات العنصرية ضد العرب والإلتزام بالمراسيم والقوانين العباسية، وكان هدف العباسيين تجنب هدر الدماء وليتفرغوا لقمع تمرد الزنج، وخاصة أن الأمير يعقوب الصفاري لم يقطع الخطبة عن العباسيين، واستمر في سك العملات التي تحمل إسم الخليفة العباسي، ولكن ظن يعقوب الصفاري أن هذا العرض كان من منطلق الضعف، فسلك مسلك المراوغة.
–
–
القصيدة التي أغضبت العباسيين
–
–
خلال تلك الفترة ظهرت قصيدة تهين الهاشميين والعرب، ورغم أن القصيدة لأبي إسحاق المتوكلي، ولكنها قيلت بلسان الأمير يعقوب الصفاري والذي تبناها، وقد تم إلقائها في قصره، وأظهرت أطماعه في إنهاء الدولة العباسية وإعادة دولة الأكاسرة، ومن أبيات هذه القصيدة:
أنا ابن الأكارم من نسل جم
وحائز إرث ملوك العجم
–
ومحيي الذي باد من عزهم
وعفى عليه طوال القدم
–
فقل لبني هاشم أجمعين
هلموا إلى الخلع قبل الندم
–
ملكناكم عنة بالرماح
طعناً وضرباً بسيف خذم
–
وأولاكم الملك آباؤنا فما
إن وفيتم بشكر النعم
–
فعودوا إلى أرضكم بالحجاز
لأكل الضباب ورعي الغنم
–
فإني سأعلو سرير الملوك
بحد الحسام وحرف القلم
وكان لهذه القصيدة تأثيرً كبيرً حيث أعلن المعتمد بأن يعقوب الصفاري متمرد على الخلافة، وأرسل رسائل ذم بيعقوب لأعيان فارس وخراسان، وأصدر قرارا ببدء الحرب ضد يعقوب الصفاري، وأما الأمير يعقوب فقرر أن يجتاح العراق، ومع ذلك استمر بالمراوغة حيث بقي يظهر الولاء للخليفة العباسي، وأرسل له رسالة يقول فيها بأنه سيدخل العراق لمقابلة الخليفة وليس لاحتلالها.
استعداد العباسيين
قام العباسيون في العراق بتقسيم جيشهم لثلاثة أقسام، فأما القسم الأكبر فبقي في العاصمة سامراء بقيادة ولي العهد جعفر المفوض بن الخليفة المعتمد، وأما القسم الثاني فخرج به الخليفة المعتمد وتوقف في بغداد، وأما القسم الثالث وهو الأصغر والذي كان عدده 10000 مقاتل، فخرج به قائد الجيش الأمير العباسي الموفق طلحة لملاقاة الجيش الصفاري، وبهذا زاد ضمان العباسيين بعدم نهاية دولتهم، حيث إذا إنتصر يعقوب الصفاري على جيش الموفق سيلاقي جيش المعتمد واذا انتصر على جيش المعتمد سيلاقي جيش المفوض وهو الأكبر.
خرج الأمير العباسي الموفق طلحة وتعمد إبطاء حركة جيش الأمير يعقوب بفتح سد وإغراق أراضي قرب مدينة واسط، ولكن جيش الصفاري تمكن من دخول واسط، وقرر الموفق طلحة أن تكون منطقة دير العاقول هي موقع المعركة، حيث كانت منطقة دير العاقول واقعة في الطريق الواصل بين واسط وبغداد، وبقربها سدود سيستعملها في المعركة، فقد كانت دير العاقول مركز الأراضي الخصبة في العراق، ولهذا انتظر الموفق طلحة وصول الجيش الصفاري إلى تلك المنطقة.
–
وعندما وصل جيش يعقوب الصفاري إلى دير العاقول قام بإستعراض قواته معتقداً بأن هذا سيرهب الجيش العباسي، وأما الجيش العباسي فقد كان ثابتاً منظماً وفي منطقة أعلى، وكان قائد الجيش الموفق في القلب، وكانت الميمنة بقيادة موسى بن بغا والميسرة بقيادة مسرور البلخي، وكانت المفاجأة عندما أمر الموفق طلحة بفتح سد من سدود دجلة، فأدى هذا الأمر إلى غرق قسم كبير من الجيش الصفاري، وانتشار الفوضى بينهم حيث أصبح همهم الهرب كي لا يلاقوا الغرق.
–
فقرر الأمير يعقوب الصفاري أن يهاجم الجيش العباسي بمن تبقى معه، وقام الموفق بنزع خوذته ورميها وصاح بأعلى صوته: “أنا الغلام الهاشمي”، وقاد الهجوم بنفسه.
–
واشتبك الجيشان وكان القتال محتدماً، والمياه تغطي أرض المعركة، فكانت الخسائر جسيمة من كلي الطرفين ، وقتل العديد من القادة العباسيين و الصفاريين في المعركة، و استبسل العباسيون في القتال ونجحوا بإصابة يعقوب، ومع اقتراب المساء نجح العباسيين في مهاجمة القوات الخلفية للجيش الصفاري، ووصلوا إلى قسم التموين الخاص بالجيش الصفاري وأشعلوا فيها النيران.
–
وفي النهاية بدأ ما تبقى من الجيش الصفاري بالهروب من المعركة، وهرب الأمير يعقوب الصفاري من أرض المعركة وهو مصاب، ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام الأراضي التي أغرقها الموفق في بداية المعركة والماء بها ارتفاعه عاليا، فغرق قسم كبير منهم واستسلم قسم آخر، وأما يعقوب الصفاري فقد نجح في الهروب.
وبعد هزيمته قيل ليعقوب، أدركنا أنك فاشل عسكرياً، فقد تركت ثقلك وأسراك أمامك، وتوجهت لبلد لا تعرف أرضه وأنهاره، وهاجمت وجنودك في حالة فوضى، فكيف سيطرت سابقاً على خراسان وفارس، فقال لهم هاجمت العراق وأنا على يقين بأنهم لن يحاربوا.
–
–
بعد المعركة
نجح العباسيون بإسترداد ولاية فارس، وسيطروا على معظم ولاية خراسان، وانحسرت المساحة التي يسيطر عليها يعقوب الصفاري والذي مات كمدا عام 879م، وتولى حكم الصفاريين أخوه عمرو بن الليث الصفاري، والذي أعلن الإستسلام للعباسيين، وتسليم كامل خراسان لهم، وإلتزامه باللغة العربية وبكافة مراسيم الدولة العباسية.