مؤسسة ضحايا الشيوعية تناقش تصاعد النفوذ الصيني حول العالم

انعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن منتدى الصين 2025، الذي نظمته مؤسسة النصب التذكاري لضحايا الشيوعية، بمشاركة باحثين وخبراء ومسؤولين أمريكيين سابقين، لمناقشة تصاعد النفوذ الصيني حول العالم وانعكاساته على الأمن القومي الأمريكي، وحقوق الإنسان، والتوازن الجيوسياسي العالمي.
ركزت الجلسات الافتتاحية على ما وصفه المشاركون بـ “التمدد العالمي لعمليات التأثير الصينية”، التي تشمل حملات إعلامية موجهة، وتضليلاً رقمياً، وضغوطاً اقتصادية وسياسية تهدف إلى التأثير على الحكومات والمجتمعات الديمقراطية. وأكد الخبراء أن هذه العمليات باتت أكثر تعقيدًا وتنظيماً، وتشمل شبكة واسعة من الجهات الفاعلة التي تعمل داخل وخارج الصين. كما ناقش المشاركون أدوات الحماية والدفاع التي يمكن للدول الديمقراطية تبنيها لمواجهة هذه التهديدات مع الحفاظ على الحريات الأساسية.
حقوق الإنسان والعمل القسري:
أفرد المنتدى مساحة واسعة لمناقشة ملف العمل القسري في إقليم شينجيانغ، حيث تناولت الجلسات أوضاع الإيغور والأقليات الأخرى، معاناتهم ضمن سلاسل التوريد العالمية. ودعا المتحدثون إلى تطوير أطر ومعايير دولية أقوى لمنع دخول منتجات مرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان إلى الأسواق العالمية، مشيرين إلى أهمية التنسيق بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
التكنولوجيا والرقابة:
كما تناول المنتدى توسع بكين في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، واستخدام هذه الأدوات لتعزيز الرقابة الداخلية وتوسيع النفوذ الخارجي. وأكد الخبراء أن سباق التكنولوجيا بين الولايات المتحدة والصين أصبح أحد المحاور الأساسية في التنافس الاستراتيجي بين القوتين، خاصة في مجالات مثل أشباه الموصلات، والاتصالات، والذكاء الاصطناعي.
تنسيق دولي..
اختتم المنتدى بكلمة لرئيس الوقف الوطني للديمقراطية ديمون ويلسون، شدد فيها على ضرورة تنسيق الجهود بين الدول الديمقراطية لمواجهة ما وصفه بـ “التحدي الاستراتيجي الصيني” الذي يجمع بين القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي والتطور التكنولوجي.
جدير بالذكر أن مؤسسة النصب التذكاري لضحايا الشيوعية تأسست عام 1993 بقرار من الكونغرس الأمريكي، وتُعنى بتوثيق ضحايا الأنظمة الشيوعية الذين تجاوز عددهم مائة مليون شخص. ويأتي المنتدى في سياق تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين، وسط منافسة محتدمة في مجالات التجارة والتكنولوجيا والنفوذ السياسي العالمي.
من بين جلسات المنتدى برزت جلسة بعنوان “العمل الجبري والمعايير العالمية: بناء القدرة على الصمود ضد انتهاكات حقوق الإنسان وتلوث سلاسل التوريد”.
حيث لا تزال خطط العمل القسري في الصين، والتي تستهدف الأقليات العرقية والدينية في شينجيانغ Xinjiang، تشوه سلاسل التوريد العالمية في مختلف الصناعات الرئيسية، من صناعة القطن والطماطم إلى ماهو اكبر من ذلك بكثير مثل صناعة قطع غيار السيارات والألواح الشمسية.
أدار هذه الجلسة الدكتور أدريان وزينز مدير الدراسات الصينية في مؤسسة النصب التذكاري لضحايا الشيوعية، وكذلك سمير جوسوامي، مدير برامج العمل القسري في قسم الامتثال العالمي للحقوق في العاصمة الاميركية واشنطن.
ناقشت هذه الجلسة ايضا الرؤى الجديدة حول الوضع السياسي الحالي في شينجيانغ، وكيف أدى ذلك إلى تصاعد قضايا العمل القسري في المنطقة.
كما تناولت الوضع الراهن والتحديات المستمرة المتعلقة بتنفيذ القانون الأمريكي لمنع العمل القسري لأقلية الأويغور.
وبحث أعضاء الفريق التحديات والنجاحات في مكافحة العمل القسري، وتعزيز مرونة سلاسل التوريد، وحماية الاقتصادات المحلية من المنافسة غير العادلة التي تغذيها هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان
المشهد الدبلوماسي الدولي..
وقد بحثت “جلسة المشهد الدبلوماسي الدولي المعقد والمتغير بسرعة” خلال منتدى الصين الذي عقدت فاعلياته في العاصمة الامريكية واشنطن، الاستراتيجيات التي يمكن أن تكون أكثر فاعلية في مواجهة سلوك بكين، سواء من خلال العقوبات الموجهة، أو الضغط الثنائي، أو بناء تحالفات و شراكات إقليمية، في ظل هذا الواقع العالمي المتحوّل.
ويقول كريغ سينجلتون، المدير الأول لبرنامج الصين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، -خلال هذه الجلسة- إن الصين بقيادة الرئيس شي جينبينغ دخلت مرحلة جديدة من الإكراه المنهجي الذي يربط بين سياساتها الداخلية وأهدافها التوسعية في الخارج.
وأوضح أن بكين تمارس ما وصفه بـ”تحويل كل شيء للمفهوم الأمني ”، سواء من البيانات والمعارضة السياسية إلى سلاسل التوريد وأشباه الموصلات. مضيفًا أن ذلك يعكس تحول الدولة الصينية إلى نظام يقوم على المراقبة الشاملة والانضباط الأيديولوجي وإخضاع القطاع الخاص لأولويات الحزب الشيوعي.
ويقول سينجلتون إن “الإكراه أصبح بمثابة نسيج رابط بين أولويات الرئيس شي جينبينغ الداخلية وطموحات الصين الدولية.”
وأضاف أن الصين باتت تحول اعتماد العالم على أسواقها ومعادنها وصناعاتها إلى وسائل ضغط سياسي، وأن قرارات بكين بقطع صادرات المعادن النادرة أو الضغط على الشركات الأوروبية والأمريكية بشأن قضية تايوان ليست سياسات اقتصادية بحتة، بل أدوات للسياسة الخارجية بوسائل أخرى. ووصف هذا النهج بأنه “تقنين للإكراه”، موضحًا أنه يتميز بأنه تدريجي وقابل للإنكار والعكس، وهو ما يجعل من الصعب ردعه أو مواجهته بشكل مباشر.
وفي تحليل أوسع، شبّه سينجلتون الوضع الراهن بما سماه “الاضطراب المتبادل المضمون”، وهو النسخة الاقتصادية من مفهوم “الدمار النووي المتبادل”، مشيرًا إلى أن كلًّا من واشنطن وبكين تؤمنان بقدرتهما على تعطيل أنظمة بعضهما الاقتصادية والتكنولوجية دون حرب مفتوحة.
وقال إن الصين تمارس هذا النفوذ عبر ندرة انتقائية، من خلال تقييد الوصول إلى الأسواق والمواد الخام وتدفقات البيانات بهدف خلق حالة من التردد في الخارج، بينما تستخدم الولايات المتحدة أسلوب الإقصاء الانتقائي عبر حرمان بكين من الرقائق الإلكترونية المتقدمة، والبرمجيات، والاستثمارات، في محاولة لإبطاء نموها التكنولوجي.
وأكد سينجلتون في ختام كلمته خلال منتدى الصين الذي عقد في واشنطن أن أياً من الطرفين لا يسعى إلى انهيار الآخر، بل إلى إدارة حالة من عدم الاستقرار المتبادل. وأضاف أن الصين تسعى إلى جعل عدم اليقين حالة ممنهجة داخل النظام العالمي، لأنها تعتقد أنها أكثر قدرة على تحمّل الأضرار الاقتصادية مقارنة بالغرب.
استخدام النفوذ الاقتصادي..
ومن جانبه، قال عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية ميشيغان جون مولينار -عبر الدوائر التلفزيونية في كلمته خلال منتدى الصين الذي عقد في واشنطن- قال إن الرئيس الصيني شي جينبينغ يسعى إلى استخدام النفوذ الاقتصادي لبلاده كورقة ضغط سياسية ضد الولايات المتحدة والدول الغربية، في وقت تتزايد فيه التوترات التجارية والجيوسياسية بين واشنطن وبكين.
وأوضح مولينار أن بكين تتبع حاليًا سياسات اقتصادية انتقائية تهدف إلى تعزيز موقعها التفاوضي مع الغرب، مضيفًا أن الرئيس الصيني “يحاول استغلال كل وسيلة ممكنة لتحقيق مكاسب سياسية”.
واضاف عضو الكونغرس الامريكي ان شي جينبينغ أوقف شراء فول الصويا الأميركي، وفرض قيودًا على تصدير المعادن الأرضية النادرة التي يعتمد عليها العالم في صناعاته المتقدمة، كما كثّف من تحركاته العسكرية والتوسعية في بحر الصين الجنوبي في انتهاك للقانون الدولي.
ووصف هذه التحركات بأنها تعكس محاولة الصين فرض واقع جديد على المجتمع الدولي، مشيرًا إلى أن بكين تسعى إلى إبرام صفقات محدودة لتخفيف الضغوط، مثل السماح بجزء من الواردات الزراعية أو المواد الخام، في مقابل تنازلات سياسية أو اقتصادية من الغرب.
وفي سياق حديثه عن اللجنة المختارة للشؤون الصينية في الكونغرس، أكد مولينار أن اللجنة تحرص على الحفاظ على نهج التعاون بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، معتبرًا أن هذه الوحدة تمثل قوة الموقف الأميركي في مواجهة التحديات العالمية.
وأضاف عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية ميشيغان أن القيم المؤسِسَة للولايات المتحدة – كالحرية والكرامة والمساواة – هي ما يوحد الأميركيين، داعيًا إلى تعزيز العمل المشترك لحماية هذه المبادئ التي وصفها بأنها “أساس تفوق النظام الديمقراطي الأميركي”.
وفي مقارنة مباشرة مع النظام الصيني، قال مولينار إن الحزب الشيوعي الصيني لا يرى أن من مهامه حماية حقوق المواطنين، بل يسعى إلى السيطرة عليهم وفرض الولاء المطلق للدولة.
مشيرا إلى أن الحزب الشيوعي يمارس قمعًا ممنهجًا بحق شعبه، مستشهدًا بحالات في هونغ كونغ، مثل سجن الناشط جيمي لاي، وبالاعتقالات الواسعة التي تطال القساوسة والمجموعات الدينية داخل الصين.
وأكد أن بكين تسعى إلى تصدير نموذجها الاستبدادي إلى الخارج، مضيفًا أن الشيوعية لا تؤمن بحرية المعتقد، بل تهدف إلى استبدال الإيمان الديني بالولاء للحزب الشيوعي الصيني.





