بقلم/ شافي الجرف
كاتب و مؤلف مصري
للأسف هذا الجيل من الشباب من عقد التسعينيات و الألفية الثانية لا يعرف شيئا عن هجرة المصطفى و الرسول الكريم و النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا، سوى عش الحمام الرابض على بيضتين و العنكبوت و هو ضارب بخيوطه على الغار الذي أوى إليه النبي و صاحبه أبو بكر الصديق.
لا يعلمون أنه صلى الله عليه و سلم عانى الأمرين هو و الثلة المسلمة معه، ليس من صناديد الكفر من قريش فحسب، و إنما من أقرب أقربائه، حتى إنهم استعصموا بشعب من شعاب مكة، حاصرتهم فيه قريش و منعوا عنهم الطعام و الشراب، حتى إن أحدهم سمع صوت بوله و هو يقرقع على جلد شاة قديمة في التراب، فاخذها و غسلها و تناولها من الجوع..
لم تستطع قريش أن تفعل ذلك إلا بعد أن فقد صلى الله عليه و سلم أكبر قوتين كانتا توفران له الحماية الأمنية و الغذائية لعشر سنين، و هما السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها و هي من أغنى أغنياء مكة المكرمة و عمه أبو طالب رغم عدم إيمانه به..
لم ييأس صلى الله عليه و سلم أو يستسلم أو يهرب من المشهد و يقول إن للدين ربا يحميه، لأنه علم منذ اللحظات الأولى للرسالة و أخبره الله على لسان القوي الأمين ملك الوحي جبريل قوله تعالى في سورة المزمل( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً )و لقد تحمله صلى الله عليه و سلم بمنتهى الإيمان و الثبات، وشاهد بعينه أن كل من يتبعه ينال تعذيبا قاسيا من قريش و كان لايملك من حمايتهم شيئا.
فوجد أن أرض قريش مكة المكرمة ليست صالحه لنشر رسالته، فنصح أتباعه المعذبين بأن يذهبوا إلى أرض الحبشة و قال لهم:( إن فيها ملكا لا يظلم عنده أحد) و رغم ذلك سارع على أعقابهم عمرو بن العاص يحرض صديقه الملك النجاشي عليهم حتى استطاع أحد تلاميذ محمد صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا من النجباء أن يقنع النجاشي أن دينهم دين سلام و لا يخرج و المسيحية الصحيحة إلا من مشكاة واحدة..
لم يجد صلى الله عليه و سلم بدا إلا أن يترك أرض مكة المكرمة و حتمية الذهاب إلى يثرب، و حتى في هذه أيضاً لم يتركوه و خرجوا يقتفون أثره يلاحقونه و يطاردونه، حتى لحق به سراقة بن مالك، و وعده صلى الله عليه و سلم بسواري كسرى إن تركه و خذل عنه قريشا و لم يخبرها الطريق الصحيح الذي سلكه صلى الله عليه و سلم تسليما كثيرا، فكيف يثق هذا المطرود تلك الثقة من أنه سيفتح الله تعالى على أمته بلاد فارس، ليعد سراقة منها بمغنم؟!
و قد تحقق ذلك الفتح بالفعل في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، و عندما جاءته غنائم كسرى نادى على سراقة بن مالك و ذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم تسليما له و ألبسه السوارين و منطق كسرى..
لقد عانى النبي صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا مدة رسالته في مكة المكرمة ثلاثة عشر عاما أشد المعاناة، و لكن كان استقبال و تلقي أهل يثرب له صلى الله عليه و سلم يختلف تماما عن تلقي استقبال أهل مكة بلده لرسالته..
لقد وجدهم ينتظرونه عند ثنيات الوداع بالغناء و الفرح و الهل و الترحاب و التفوا حول ناقته يلتمسون فيها البركة كونها حملت علي ظهرها أعظم و أشرف خلق الله أجمعين، و كان من ضمن هذا الحشد أسياد قبائل يثرب
و الحديث عن الهجرة يطول و يطول و لكن له بقية إن شاء الله تعالى، فإلى اللقاء..