شارك أ. د/ محمد الضويني، وكيل الأزهر، في حفل تكريم الفائزين في مسابقة “ثقافة بلادي”، مؤكدا أنَّ مجمع البحوث الإسلامية وُفِّقَ في اختيار موضوع المسابقة الفكرية الثَّقافية التي حملت عنوان (ثقافة بلادي)، والتي تأتي لَبِنةً نافعةً في بناءٍ متينٍ أرسى قواعده أزهرنا الشريف؛ بما يبثه في نفوس أبنائه المصريين والوافدين من تأكيدِ أنَّ الإيمان والأوطان لا يفترقان، مشددًا على الحاجة الملحة لهذا الطرح الأزهري الذي يواجه التَّحديات التي يتعرض لها الدين والوطن.
وأكَّد الدكتور الضويني أن «المواطنة» بما تفرضه من فكرٍ وسلوكٍ حقيقةٌ دينيةٌ، وضرورةٌ مجتمعيةٌ، وفريضةٌ إنسانيةٌ، وأن «المواطنة» مصطلح أصيل في الإسلام يتجاوز التنظير الفلسفي إلى السلوك العملي، وأن «المواطنة الحقيقيَّة» لا إقصاء معها، ولا تفريق فيها، مشيرًا إلى أن المواطنة الصادقة تستلزم بالضرورة إدانة التصرفات والممارسات التي تفرق بين الناس بسبب من الأسباب، والتي يترتب عليها ازدراء أو تهميش أو حرمان من الحقوق، وما إلى ذلك من سلوكيات يرفضها الإسلام.
وأوضح فضيلته أن الأزهر الشريف قد استطاع من خلال التَّعاون المثمر مع المؤسسات الدينية الرسمية داخل مصر وخارجها، أن يحقِّق نجاحاتٍ كبيرةً من خلال حوارات دينية حضارية حقيقية، تلتزم الضوابط العلمية، وتحفظ ثوابت الدين، وتترك نتائج ملموسة في سبيل تحقيق الأمن والسلام للبشرية كافة، وشاءت إرادة الله أن يكون بنو الإنسان شعوبًا وقبائل؛ في الغنى والفقر، وفي الفَهم والإدراك، وفي العادات والتقاليد، وفي غير ذلك من مناحي الحياة، مضيفًا أن تلك الإرادة الإلهيَّة التي اقتضَتْ تنوع الخلق فيها حكم عظيمة ودلالات تستحق التأمل، ومن جميل ما أحاطَ به الإسلام هذا التنوع أن جعل الغاية من التنوع أن نتعارف ونتآلف، فيما يثري الحياةَ ويزيد من استثمار مكوِّناتها.
وأضاف وكيل الأزهر أن أهمية هذه المسابقة التي ينظِّمها الأزهر الشريف بالتعاون مع وزارتي: الثقافة، والسياحة والآثار تكمُنُ في نقل ثقافتنا المصرية إلى غيرها من ثقافات الشعوب الأخرى، وذلك عن طريق التزامل بين طالبينِ: طالبٍ مصريٍّ، وطالبٍ وافدٍ يتعلَّم على أرض مصر، وهنا أقول: إنَّ مصر التي ذكرها الله في قرآنه عدة مرات تميَّزت بأهلها، وعاداتها وتقاليدها، وأخلاقها وقِيمها، وتميزت بأزهرها -أزهر الدنيا ومنهجه المنفتح على الكون كله- الذي استطاعت مصر به أن تصلَ حضارةَ اليومِ بحضارةِ الأمس، ووصلت به حاضرها الإسلامي بتراثها الحضاري القديم، فامتلكت المجدَ الدينيَّ والحضاريَّ من أطرافِه.
وبيَّن الدكتور الضويني أن التطورات المتسارعة في مجالات الاتصالات أحدثت ثورةً هائلةً، فلم تعد الشعوب منغلقة على أنفسها بل تجاوزت حدودها، وثقافتها، وعاداتها وتقاليدها، وأصبح الجميع في علاقة تأثر وتأثير متبادل، ومن خلال ما أتاحته وسائل التواصل استطاعت الشعوب والمجتمعات أن ترى نفسها في عيون غيرها، إيجابًا وسلبًا، موضحًا أن الشعوب الواعية تتخذ من هذا التعارف والتلاقي فرصة كبيرة لمراجعة موروثها الثقافي والقيمي، فتؤكِّد في نفوس أبنائها المظاهر الثقافية الإيجابية، والقيم الأخلاقية والحضارية، وتتخلَّص من المظاهر السلبية التي تشكل عائقًا أمام نمو حضارتها وتقدمها ورقيها.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنه من هنا تتأكَّد أهمية هذه المسابقة الفكرية الراقية، التي تأتي عاملًا فاعلًا مؤثرًا في توطيد التواصل والحوار بين الشعوب، الأمر الذي يعزِّز قوة مبدأ السِّلمِ العالمي الذي تتوق لتحقيقه البشرية عبر العصور، فالشعوب التي تتحاور ثقافيًّا لن تلجأ إلى الحروب وافتعال الصراعات المسلحة؛ لأن لغة الحوار أشدُّ تأثيرًا ورقيًّا من الفعل العسكري، ومفردات السلام أقوى من مفردات الحرب، مؤكدًا أن هذا الحوار الراقي لا يتأتَّى إلا عندما يُبدِي كل شعب احترامَه لثقافة الشعوب الأخرى ونمط حياتها ومعتقداتها، داعيًا الجميع إلى تبني ثقافة منفتحة تكون نافذة واسعة تمكن الشعوب من تحديد هويتها، وتبين خصوصيتها، والاستفادة من ثقافات الآخرين بما لا يعارض الخصوصيات ولا يهدِّد الهويات.