كيف ستتأثر بها مصر؟.. توابع انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب على سلة الغذاء العالمي
كتب محمد الليثي – منة مجدي
أعلنت الحكومة الروسية، اليوم الاثنين، أنها لن تجدد التزامها باتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية التي من المقرر أن تنتهي اليوم.
وكان قد تم التوصل للاتفاقية المذكورة بوساطة كلا من تركيا والأمم المتحدة في يوليو عام 2022 والتي ستنتهي رسميا في تمام الساعة 5 مساء الاثنين (منتصف الليل بالتوقيت المحلي في اسطنبول وكييف وموسكو).
وهذا الاتفاق سمح لأوكرانيا بتصدير الحبوب في موانئها والإبحار بها عبر ممر آمن في البحر الأسود حتي مضيق البوسفور التركي.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديميترى بيسكوف “لسوء الحظ لم يتم تنفيذ جزء اتفاقيات البحر الأسود المتعلقة بروسيا حتي الآن”.
وأضاف “لذلك تم إنهاء الاتفاقية حتي تتحقق الالتزامات المتعلقة بالجانب الروسي وأن الجانب الروسي سيعود إلي تنفيذ هذه الاتفاقية علي الفور”.
وقامت الحكومة الروسية بإبلاغ كل من تركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة رسميا، بأنها ستسمح بإنتهاء صلاحية الاتفاقية وأيضا صرحت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية لوكاله الإعلام الرسمية(ريا نوفوستي) الاثنين.
و نفى بيسكوف أن يكون قرار روسيا بالسماح بإلغاء الصفقة مرتبطا بغارة أوكرانيا المزعومة علي جسر القرم والذى يربط البر الرئيسي لروسيا بشبه جزيرة القرم المحتلة.
والجدير بالذكر أن بيسكوف أضاف “هذان موضوعات منفصلان تماماً ؛وتابع أيضا “أن حتي قبل الهجوم الإرهابي تم إعلان القرار من جانب الرئيس بوتين وأكرر مجددا عندما يتم تلبية الالتزامات المتعلقة بالجانب الروسي باتفاقيات البحر الأسود ستعود روسيا فورا للالتزام بالصفقة”.
ما هي بنود اتفاق الحبوب؟
وهددت روسيا مرارا بالانسحاب من اتفاق الحبوب، بسبب عدم تلبية مطالب وكانت طالبت روسيا بمطالب خمس فى إطار تنفيذ مذكرة روسيا – الأمم المتحدة الخاصة بصفقة الحبوب”، من بينها “إعادة ربط البنك الزراعى الروسى بنظام (سويفت)، وتوريد قطع غيار اللازمة للزراعة الروسية، وإلغاء حظر لوجستيات النقل والتأمين، وإعادة إحياء خط أنابيب الأمونيا “تولياتى – أوديسا”، وإلغاء تجميد أصول الشركات الروسية. وأكدت وزارة الخارجية الروسية مايو الماضي أنه فى حال عدم الوفاء بهذه المطالب، فلن يكون هناك أى توسيع لمبادرة البحر الأسود وسيتم وقف العمل بالاتفاقية بعد 17 يوليو المقبل.
واتفاق تمديد الحبوب، هو وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية تم التوقيع عليه فى 22 يوليو 2022، فى إسطنبول “بين تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة. وتضمنت الاتفاقية تأمين صادرات الحبوب العالقة فى الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود (شرق أوروبا) عبر ممر إنسانى فتحه الأسطول الروسى فى البحر الأسود لمعالجة نقص الغذاء العالمى، شريطة إتاحة وصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى السوق.
وبموجب هذا الاتفاق تسمح روسيا بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وسط تلويح روسى بعدم تمديد الاتفاق، حيث أكدت وزارة الخارجية الروسية، عدم وجود أسس لتمديد صفقة الحبوب.
مدى أثر نهاية الاتفاق على الغذاء العالمي
ويهدف تجديد اتفاق الحبوب بين أوكرانيا وروسيا إلى ضمان تصدير الحبوب الأوكرانية العالقة بسبب الحرب. لكن موسكو علقت مشاركتها في الاتفاق، فماذا سيعني ذلك؟ وما هي الخيارات الأخرى المتاحة لتجنب أزمة غذاء عالمية؟
في يوليو / من العام الماضي، وقعت روسيا وأوكرانيا على اتفاقية الحبوب برعاية أممية ووساطة تركية بهدف ضمان شحن الحبوب الأوكرانية العالقة في الموانئ عبر البحر الأسود بسبب الحرب، فيما وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاتفاق بكونه “منارة أمل”.
ومنذ ذاك الحين، جرى تمديد الاتفاق الذي يُعرف رسميا باسم “مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب” عدة مرات، لكن أعلن الكرملين اليوم الاثنين (17 تموز/ يوليو 2023) إن روسيا علقت مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود. يهدف الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا في يوليو/ تموز الماضي إلى تخفيف حدة أزمة الغذاء العالمية بفتح باب التصدير بأمان أمام حبوب أوكرانية كان الصراع الروسي الأوكراني يمنعها، وقد يكون لذلك عواقب على أجزاء كبيرة من العالم.
أثر نهاية الاتفاق على مصر
اتخذت الحكومة المصرية عددًا من الخطوات الاستباقية باعتماد أكثر من 22 منشأ لدى الحجر الزراعي المصري لاستيراد القمح، حتى نتفادى التداعيات السلبية لهذه الأزمة قدر الإمكان”.
ولكن انسحاب روسيا من اتفاق الحبوب قد يؤثر على كميات القمح الصادرة عن أوكرانيا، وبالتالي يؤثر ذلك على الكميات المتاحة بالأسواق العالمية، ومن ثم يتسبب هذا الأمر في ارتفاع الأسعار مجددًا وخاصة القمح والذرة”.
وتعد أوكرانيا من الدول البارزة في تصدير القمح والذرة، وبالتالي فالتأثير سيكون على مستوى أسعار المنتجات الزراعية، والكميات المعروضة عالمياً وخاصة المعروضة من أوكرانيا.
وبالرغم من أن القرار قد لا يؤثر حاليا على مخزون القمح المصري بعد اللجوء لاستيراده منن دول أخرى، لكن حتما سيؤدي لارتفاع سعر القمح.
ونقلا عن خبير الاقتصاد السياسي، علي الإدريسي، في تصريحات سابقة، فمن تداعيات تلك الأزمة أن تعود أزمة الغذاء للتفاقم مجددا، وأن نشهد موجة جديدة من ارتفاعات أسعار الغذاء على مستوى العالم بما يساهم في ارتفاع التضخم كذلك، لافتا إلى تضرر مصر إذا ارتفعت أسعار المنتجات الزراعية.
وأوضح الإدريسي أن ارتفاع معدلات التضخم وتراجع سعر صرف عملات العديد من الأسواق الناشئة خلال الأشهر الماضية ومن بينها مصر، فهذا يرفع من تكلفة استيراد الحبوب بجانب ارتفاع أسعارها، مما يتسبب في التأثير على الدول المستوردة للحبوب، ومصر من أكبر الدول المستوردة للقمح على وجه العالم.
وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، واعتمدت على مدار السنوات الماضية بشدة على الحبوب الروسية والأوكرانية,
أهمية الاتفاق؟
وبحسب إذاعة صوت ألمانيا dw تعود أهمية الاتفاق إلى موقع أوكرانيا في سوق الحبوب العالمي إذ تعد واحدة من أكبر موردي الحبوب حيث يعتمد 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على الحبوب الأوكرانية، وفقا لأرقام برنامج الغذاء العالمي.
وعندما بدأت روسيا توغلها العسكري في أوكرانيا أواخر فبراير العام الماضي، أعربت الكثير من دول العالم عن مخاوفها من وقوع مجاعة خاصة في البلدان الفقيرة في أفريقيا والشرق الأوسط وسط قلق متنام حيال نفاذ الوقت أمام إبعاد شبح أزمة مجاعة.
وكانت أسعار المواد الغذائية قد شهدت قبل الحرب ضد أوكرانيا ارتفاعا جراء تداعيات جائحة كورونا وأزمة سلاسل التوريد، بيد أن الغزو الروسي أدى إلى تفاقم الأزمة خاصة وأن الحصار الروسي للمواني الأوكرانية المطلة على البحر الأسود أسفر عن تعرض ملايين الأطنان من الحبوب في الصوامع الأوكرانية لخطر التعفن. وعلى وقع ذلك، قال الاتحاد الأوروبي إن عملية “الحفاظ على إمدادات الحبوب الأوكرانية يعد أمرا بالغ الأهمية للأمن الغذائي العالمي”.
نتائج انهيار الاتفاق
في حالة عدم موافقة روسيا على تمديد اتفاق الحبوب، فسوف يكون مصير استمرار أوكرانيا في شحن الحبوب إلى دول العالم بنفس المعدلات الحالية غامضا فيما سيكون ارتفاع تأمين سفن الشحن إشكالية كبيرة، إذ قد ينجم عن ذلك توقف شركات الشحن العالمية عن نقل الحبوب في منطقة الحرب إذا لم تحصل على موافقة روسية.
وإزاء ذلك، قد يطرح البعض خيار نقل الحبوب الأوكرانية برا بكونه الملاذ المناسب، بيد أن هذا الخيار لن يكون بديلا عن النقل بحرا فرغم أن أوكرانيا صدرت كميات كبيرة من الحبوب عبر دول شرق الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لا يوجد عدد كاف من عربات الشحن اللازمة لتصدير جميع الحبوب الأوكرانية برا.
ويضاف إلى ذلك، مشاعر القلق التي تسود أوساط المزارعين في دول شرق الاتحاد الأوروبي جراء تأثير إمدادات الحبوب الأوكرانية التي يتم شحنها إلى السوق المحلية وسط مخاوف من أن الأمر قد يلقي بظلاله على منتجاتهم.
وكرد فعل، فرض الاتحاد الأوروبي قيودا على الاستيراد في وقت سابق من هذا الشهر تقضي بإمكانية نقل الحبوب الأوكرانية عبر بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا، لكن مع حظر بيعها في هذه البلدان.
شروط اتفاق الحبوب؟
تسمح الاتفاقية بالتصدير الآمن للحبوب من موانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود وهي أوديسا وتشورنومورسك وبيفديني الخاضعة للسيطرة الأوكرانية، لكن يجب أن تمر سفن الشحن عبر ممر بحري إنساني متفق عليه صوب إسطنبول حيث يتم فحص السفن في طريقها من وإلى الموانئ الأوكرانية في قاعدة تركية من قبل فريق خاص من المفتشين يضم خبراء روس وأتراك وأوكرانيين ومن الأمم المتحدة.
ويعمل فريقان من فرق العمل التابعة للأمم المتحدة على ضمان شحن الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، لكنهما لا يعملان على تسهيل تصدير المنتجات الغذائية والأسمدة الروسية.
وساعدت الاتفاقية وأيضا ما يُعرف بـ “ممرات التضامن الأوروبية” الداعمة للصادرات الأوكرانية، في خفض أسعار المواد الغذائية وأيضا استقرارها لاحقا إذ جرى تصدير أكثر من 30 مليون طن من الحبوب ومنتجات غذائية أخرى منذ توقيع الاتفاقية وحتى الشهر المنصرم.
وتعد الدول الفقيرة المستفيد الأكبر من ذلك حيث تم شحن حوالي 64 ٪ من القمح إلى البلدان النامية في حين تم تصدير الذرة بشكل متساوٍ تقريبا بين البلدان المتقدمة والنامية، لكن في مارس / آذار الماضي، أفادت وسائل إعلام بانخفاض عمليات شحن الحبوب الأوكرانية بشكل مطرد.
وعلى وقع ذلك، انخفضت الصادرات الغذائية الإجمالية بموجب الاتفاق بنحو ثلاثة أرباع في مايو / الماضي مقارنة بمعدلات أكتوبر / الماضي. ويعزو ذلك إلى عدة أسباب أبرزها أن شركات الشحن بدأت في تجنب خطر إرسال سفن عبر طرق محفوفة بالمخاطر فضلا عن قيود على مرور السفن.
وإزاء ذلك، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن خيبة أمله بشأن تباطؤ وتيرة عمليات التفتيش واستبعاد ميناء يوزني/بيفديني من مبادرة البحر الأسود التي تهدف إلى المساهمة في منع انتشار الجوع على مستوى العالم.
أما الجانب الروسي، فيتذمر من عدم تلبية مطالبه بشأن تصدير المنتجات الزراعية الروسية جراء استمرار سريان العقوبات الغربية منذ بدء غزوها لأوكرانيا. وقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوفد الوسطاء الأفارقة الأسبوع الماضي بأن الاتفاقية لم تحل المشاكل التي واجهتها البلدان الأفريقية جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، زاعما أن 3٪ فقط من صادرات الحبوب الأوكرانية تذهب إلى البلدان الفقيرة.
أهمية البحر الأسود للسوق العالمي؟
يقع البحر الأسود على مفترق طرق بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط فيما يمثل موقعا استراتيجيّا هاما في جنوب شرق أوروبا في منطقة تلاقي المصالح البحرية والقارية والجيواستراتيجية والاقتصادية.
وعلى وقع هذه الأهمية، يعد البحر الأسود بمثابة الفرصة الوحيدة أمام أوكرانيا لتصدير حبوبها إلى أوروبا ومن ثم الاتصال بطرق التصدير الأخرى، لكن عبر مضيقي الدردنيل والبوسفور التركيين.