200 انقلاب عسكري في إفريقيا منذ الاستقلال.. آخرهم النيجر و أقواهم تراوري بوركينا فاسو

-مالي و بوركينا فاسو:الاعتداء العسكري على النيجر اعتداء علينا

عانت القارة الإفريقية منذ حركات استقلال معظم دولها من الاحتلال الفرنسي و البريطاني و الإسباني و الإيطالي في ستينيات و سبعينيات القرن الماضي من أكثر من 200 انقلاب عسكري، لكن جُلُهم إن لم يكن كلهم بيد المحتلين السابقين و بخاصة فرنسا و تدخلاتها في شئون تلك الدول بداعي التبعية العرفية لها دون الرسمية في العقيدة السلطوية في أروقة قصر الإليزيه و ساسة فرنسا.

و يمكن القول إنه في 1980 كان العسكريون يحكمون 43 دولة إفريقية، انخفضت إلى 9 دول عام 2001، بعد تعهد رؤساء الدول الإفريقية في قمة الجزائر عام 1999 بعدم الاعتراف بالسلطة العسكرية الناتجة عن الانقلابات، إلا أن الموجة الحالية التي عادت إلى الواجهة بالانقلابات العسكرية من جديد تقول إن 18 رئيس دولة من قادة الدول الإفريقية الحاليين ينتمون إلى المؤسسة العسكرية، أو على الأقل قادمون من حركات التمرد التي ساعدت العسكريين في الوصول إلى الحكم، كما أن غالبية هذه الانقلابات حدثت منذ عشر سنوات فقط..

و خلال أقل من عامين، وفي الفترة من أبريل 2021 و حتى يوليو 2023 ضربت حمى الانقلابات القارة السمراء، خاصة جنوب الصحراء الكبرى، حسث شهدت 5 انقلابات عسكرية، في بوركينا فاسو و مالي و غينيا و تشاد و آخرها النيجر، و الذي قاد انقلابها ضد رئيسها المنتخب محمد بازوم هو القائد العسكري عبد الرحمن تيابي و الذي شدد على عدم عودة بازوم للسلطة مهما حدث، و أغلق المجال الجوي في النيجر.

و لكن يمكن القول بأن أقوى قائد لانقلاب عسكري حدث في دولة إفريقية منذ شهور هو الضابط إبراهيم تراوري، الذي انقلب على قائد الانقلاب العسكري قبله في بوركينا فاسو بتسعة أشهر فقط، حيث نعته بأنه عميل لفرنسا و يبيع ثروات بلاده بوركينا فاسو إليها دون مقابل، مما حدا به النقلاب عليه و طرد الفرنسيين من بلاده، و تنازل عن راتبه العسكري لصالح الدولة.

و حينما استتب الأمر لتراوري و بات رئيس بوركينا فاسو، عمد إلى إصدار قرارات قوية أهمها منع بيع اليورانيوم لفرنسا و أمريكا، و الاستيلاء بقرار عسكري على مناجم الذهب لشركة كندية تستخرجه و تصنعه في بوركينا فاسو لتصدره إلى كندا، و كانت الكمية المصنعة من سبائك الذهب المستولى عليها حوالي 200 كيلو جراما، و تلك الشركة الكندية كانت في بدايات عملها هناك..

إلا أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل استطاع تراوري -الذي وصفه الكثير من المحللين بصديق بوتين القوي المقرب- في قمة سان بطرسبرج الروسية الإفريقية الشهر الماضي هذا العام أن يتحدث بقوة أذهلت الحضور و على رأسهم الرئيس بوتين نفسه، حيث قال إنه يتحسر على بلاده خاصة و قارته عامة بسبب فقرها المدقع، رغم أنها أغنى قارات العالم، فكيف ذلك و نحن أغنياء؟!

ابراهيم تراوري رئيس بوركينا فاسو

ثم يجيب إنهم اللصوص من فرنسا و أمريكا و الغرب عموماً، و أصدر قراره النهائي بعودة فتح السفارة الروسية في بوركينا فاسو بعد إغلاقها قبل 31 عاماً بسبب ضغوط فرنسا، التي لا تنسى أنها كانت تحتل هذه البلاد و تعتقد أنها ما زالت تحتلها حتى الآن..

ثم أصدر تراوري قراره بإلغاء التعامل بالفرانك الفرنسي و استبداله بعملة محلية، الأمر الذي جعل ماكرون يستشيط غيظاً، و أما عن النيجر، فقد وبخ ماكرون رؤساء أجهزته الاستخباراتية أشد التوبيخ و بأقذع الكلمات بحسب ما ذكرته صحيفة لوفيجارو الفرنسية، حيث سخر منهم و قرعهم قائلا: أين كنتم من النيجر و قبلها مالي؟!

ليرد عليه رئيس الاستخبارات الفرنسية قائلا: لقد أرسلت تقريراً عن النيجر في يناير الماضي، فاشتد ماكرون عليه بأن هذا عذر أقبح من ذنب..
و يشير بعض المراقبين السياسيين لسير الأحداث في النيجر، بأن بوركينا فاسو و مالي قد صعبتا الأمور و التهديد بالحلول العسكرية ضد انقلاب النيجر، حينما أعلنتا رسمياً بأن أي اعتداء على النيجر الحالية بقيادتها العسكرية هو اعتداء واضح وصريح ضدهما، و عليه فإن اتخاذ إجراءات عسكرية ضد المعتدين على النيجر من مالي و بوركينا فاسو هو أمر سيكون متاحاً و مباحاً في الوقت نفسه..

و لقد كانت خريطة الانقلابات العسكرية في إفريقيا في منطقة جنوب الصحراء متوالية و متسارعة، ففي سبتمبر 2021، أعلن ضباط من القوات الخاصة الغينية اعتقال الرئيس ألفا كوندي و السيطرة على العاصمة كوناكري، و حل مؤسسات الدولة في انقلاب أنهى دور أحد مخضرمي السياسة الإفريقية الموالين لفرنسا.

و قاد الانقلاب الضابط ممادو دومبويا الذي ينحدر من إثنية المالينكي من منطقة كانكان، والذي تم استدعاؤه عندما كان ضابطًا في الجيش الفرنسي 2018 إلى غينيا، ليقود “تجمّع القوات الخاصة”، و هي وحدة النخبة في الجيش الغيني المدربة بشكل جيد، و الحائزة على المعدات العسكرية الأكثر تطورًا.

و في 25 مايو، أطاح الضابط الذي قاد الانقلاب في مالي أغسطس 2020 بالرئيس الانتقالي و رئيس الوزراء و عيّن نفسه نائبا للرئيس.

و مما تجدر الإشارة إليه في الشأن الإفريقي، إن السبب الرئيسي في الانقلابات العسكرية هناك هو ضعف الاقتصاد و البيئة الأمنية المضطربة، إضافةً إلى عدم احترام المواثيق الدولية و العزوف عن العملية الديمقراطية في حكم البلاد، لعدم ثقتهم في جدواها لأنها كما يقولون تأتيهم مغلفة من الغرب ليس بهدف تقدمهم بل بهدف سرقتهم و استعبادهم بشكل أو بآخر في قالب جديد دون الاحتلال العسكري كما كان يحدث في السابق.

و ايضاً لجوء العديد من الحكام المدنيين لتمديد فترات حكمهم، و الصراعات العِرْقية و القبَلية و الإثنية، فكل تلك هي عوامل تهيئ بيئة الانقلابات العسكرية التي تزيد من وتيرة الصدام بين الضباط و المدنيين بل بين الضباط الكبار في الجيش و بعضهم البعض في سباق محموم لنيل السلطة و الفوز بكرسي الحكم، الذي لا يثق الجالس عليه فيمن حوله، مما يلجئه إلى الحكم الديكتاتوري العسكري لضمان بقائه عليه و لو إلى حين.

جدير بالذكر أن ثمة حالة ترقب شديدة في النيجر و إفريقيا عقب انتهاء مدة إيكواس اليوم لانقلابيي النيجر و عودة الأمور إلى ما كانت عليه و عودة محمد بازوم إلى الحكم..