روشتة دكتور صابر حارص لحل الأزمات بين الحكام العرب والتنظيمات الدينية.. تعرف عليها
بقلم الدكتور صابر حارص
أستاذ الإعلام المتفرغ بكلية الآداب جامعة سوهاج قسم الإعلام..
يفترض أن أهم ما يشغل بال الكتاب والمفكرين وحتى الساسة في الوطن العربي عقب أحداث سورية التي وضعت الجميع في حيرة بسبب المفاضلة بين سيء وأسوأ موضوعان كبيران لا ثالث لهما، خريطة الطريق التي يسير عليها الشعب السوري وقادته، والدروس المستفادة للدول العربية شعوبا وجماعات وحكام وحكومات
وقد آثرت التفكير بعمق في استخلاص الدروس المستفادة من باب ما يحتمه الواجب الوطني والضمير المهني لي كباحث في الإعلام السياسي وأستاذ للرأي عام مهموم بقضايا وطنه على الدوام
وقد تبين لي سبعة دروس يمكن أن تشكل ورقة عمل عاجلة لصناع القرار في الوطن العربي:
1- جدية المراجعة الوطنية لإشكالية شرعية السلطة في الوطن العربي التي قدم فيها أحمد بهاء الدين كتاباً كاملاً منذ أربعين سنة ولم يعتبر أحد، ولا تزال تعمل هذه الإشكالية كخطر كبير ينفخ فيه المثقفون والكتاب والشعراء من باب النقد والإصلاح، ويتفاقم هذا الخطر أثناء الأزمات، ويُستغل كأداة من الخارج الصهيوني والغربي والأمريكي خاصة في الضغط علينا وعلى حكامنا، حتى إن أحدهم لو أصر على موقفه الوطني أطلقوا عليه الآلة الإعلامية والمخابراتية والجاسوسية، وأشعلوا الخلافات مع الجيران حتى ندفع أكثر بكثير من مواقف الحاكم الوطنية
2- معيار ونزاهة اختيار الحاكم، واختيار السلطة عامة بدءاً من رئيس الدولة أو الملوك والأمراء، ومروراً بمجلس الوزراء، والمحافظين، والبرلمان، والقضاء، والشرطة، وانتهاء بالقيادات الوسطى كرؤساء الجامعات ووكلاء الوزارات والمديريات والهيئات، فكيف نطلب من الموطن المصري مثلاً أن يكون مواطناً صالحاً ومخلصاً لعمله ووطنه وهو لا يطمئن لكيفية اختيار أعضاء مجلس النواب ورؤساء الجامعات؟ وحتى القيادات الدينية التي يفترض فيها ألا تمنح إلاّ لعالم تقي وصالح ومصلح، الأمر الذي يدعونا إلى إعادة النظر في وضع معايير تعلي من شأن العطاء والكفاءة والنزاهة
3- إشكالية العلاقة بين السلطة والجماعات الدينية بمختلف ألوانها، وخاصة السياسية والجهادية والمتطرفة منها، ففي الأصل لا ينبغي أن يكون لهذه الجماعات تواجد ما دام هناك مؤسسات دولة تقوم بدورها، وفي حال حاجة المجتمع إليها تتواجد بإذن من الدولة شأنها شأن العمل الخيري والمدني
فما الذي أدى لظهور هذه التنظيمات بشكل ينخر في عضد الدولة؟ وما الغطاء السياسي والإعلامي والديني لظهورها؟ وكيف تحولت إلى أداة حروب من الجيل الرابع والخامس لتدمير مجتمعاتنا من الداخل؟ وما الذي أوصلها إلى تنظيمات إرهابية وجماعات تكفيرية باسم الدين؟ ولماذا ظهرت عبارات تخليص البلاد من الطغاة والمُستبدين والمُجرمين في بلاد العرب فقط، ولم تظهر في دول أخرى بالعالم؟
فلا التنظيمات الجهادية أو الارهابية، ولا جماعات الإسلام السياسي المُسلحة وغير المُسلحة أدركت استحالة توليها السلطة أو بقائها فيها، أو أنها تم استغلالها بقصد او بغير قصد طوال نصف قرن مضى في إسقاط دولها باسم الثورات والتحرير والإصلاح
ولا الأنظمة العربية نجحت في احتواء هذه التنظيمات وتوظيف طاقاتها لصالح الوطن أو ضد بني صهيون، أو تحقيق إصلاح سياسي يقطع عليهم الطريق ويسقط الغطاء السياسي لتواجدهم
4- إشكالية العلاقة بين السلطة والمؤسسة الدينية الرسمية في البلاد، بحيث يتم وضع ضوابط دقيقة لاختيار كبار العلماء والفقهاء الذين يتحملون مسئولية الإفتاء في مسائل شائكة يختلط فيها فقه الواقع مع فقه الموازنات وفقه الأولويات نتيجة لتزاحم متغيرات العصر وموجات الحداثة والعصرنة، ويتطلب هذا الأمر مراعاة موسوعية هؤلاء العلماء في السياسة والاقتصاد والأيدولوجيات والثقافات، وتزويد هيئاتهم ومجالسهم بالخبراء الثقات في هذه التخصصات وغيرها مما يلزم للإفتاء الديني السليم الذي يراعي واقع العصر ومتغيراته الاقليمية والدولية، ويكفي تدليلاً على اهمية هذا الأمر ما كان يُثار ولا يزال من مصطلحات “علماء السلطة ” أو “علماء السلطان” ولربما كانت فتاواهم هي السليمة التي تراعي مصالح الوطن وتحميه من الفتن
5- إشكالية العلاقة بين مذهبي الإسلام السنة والشيعة، ثم إشكالية العلاقة بين العلمانية والإسلام، فقد أودى التحيز الشيعي لمعتقداته، و وهم أنها الصحيحة عقديا، وتوسعهم في التشيع، ومطامعهم في التوسع الجغرافي، والهيمنة داخل بلاد يحكمها سنة، وأغلبها من أهل السنة، إلى ردود أفعال سنية اقليمية ودولية، بل وارتماء بعضهم في أحضان الصهيوني والأمريكي لحمايته
فاشتعلت الصراعات والحروب الأهلية، وتفككت وتقسمت بسببها العراق واليمن وسورية ولبنان، واضطربت بسببها السعودية والبحرين والكويت، ولربما كان من عومل سقوط سورية رد الفعل السعودي لوقف التمدد والنفوذ الايراني في بلاد العرب وجزيرته، فلا مفر من إيقاف الخلط بين العقدي والسياسي، وتوقف السياسات الايرانية الاقليمية في الشرق الأوسط مقابل أن تتصدى البلدان العربية لمحاولات بني صهيون في اختراق المنطقة بشكل يهدد الأمن القومي الايراني
كما أنه من المهم معالجة إشكالية العلماني في تقليله من شأن الدين، ومحاولات إقصائه من الحياة، ومهاجمة رموزه، والتشكيك في ثوابته سواء كان ذلك بغير علم، أو لحقد وحسد تربى ثقافياً عليه، أو لتجارة فاحشة مع الغربي والصهيوني، حيث تبين أن هذه الممارسات هي واحدة من الغطاءات الأساسية لظهور التنظيمات الدينية كرد فعل طبيعي لها وعليها
6- ضوابط ممارسة الشورى والديموقراطية وحريات ومسئوليات الإعلام والتعبير والنقد، وضمانات تطبيق القانون في كافة مؤسسات الدولة دون محاباة، وتحقيق كافة أوجه ومظاهر العدل بين المواطنين، واحترام حقوق الانسان وحقوق الأقليات وحقوق الآخر المختلف معك سياسياً ودينياً، واختفاء الممارسات غير المنصوص عليها في القانون في التعامل مع المعارضين والسجناء، وعدم خلط السياسي بالجنائي في قضايا الرأي، والتعامل بكل حسم مع الخارجين على القانون
7- إعلاء سلطة الشعب، واحترام حقوقه، والعمل على توفير متطلباته المادية واحتياجاته الروحية والمعنوية، خاصة بعدما ثبت أن الشعب بعد فترة حتى وإن طالت هو الحاضنة الوحيدة لحسم النتيجة في الأزمات بين الحكم وطوائف المجتمع أو بين النظام وجيرانه في الصراعات السياسة أو الحروب العسكرية
ثم بعد ذلك كله هل يمكن التفكير في اتفاق على سياسة اقليمية بالشرق الأوسط تراعي مصالحه في مواجهة مشروع صهيوني تعمل فيه اسرائيل بكل جدية من 1984 ؟ وهل نجاح المشروع الصهيوني في تحقيق معظم فصوله في تقسيم وتفتيت العراق واليمن وليبيا ولبنان والسودان، وأخيراً سورية يدفع السعودية ومصر للعمل سوياً على إيقافه في اللحاق بهما كما يقول المُخطط الذي اعتمده الكونجرس الأمريكي 1984؟ وهل يتعظ الحكام العرب والمسلمين عامة هذه المرة مما جرى بسورية رغم أن ما جرى فيما قبلها كان كافياً للعبرة والعظة للغاية؟؟