تقارير و تحقيقاتسلايدرمحافظاتمصرمقالات

عويل ولسانه طويل”.. إسرائيل والوصاية الزائفة على الشرق الأوسط

 

 

بقلم – أحمد جدوع 

 

“عويل ولسانه طويل”… مثل شعبي مصري بسيط لكنه يصف كيانًا شديد التعقيد: إسرائيل. الكيان الذي زُرع في قلب الشرق الأوسط ليكون أداة سيطرة غربية، ها هو اليوم يريد أن يتقمص دور “الوصي” على المنطقة، فيحدد من له الحق في حماية نفسه، ومن يُسمح له بالرد، ومن يجب عليه الصمت، وكأن الأرض أرضه، والتاريخ تاريخه، وهو السيد ونحن الرعايا!

 

منذ تأسيسه، لم يكن هذا الكيان سوى رأس حربة لمشروع استعماري أراد أن يُحكم الطوق على عنق المنطقة. لم يُنشأ ليستقر، بل ليفرض القلق، وليزرع النزاع، ويحول الجغرافيا إلى مسرح صراع دائم يُبقي الغرب ممسكًا بخيوط اللعبة.

 

واليوم، بعد أن لعب طويلًا من خارج ميدانه، فجأة وجد نفسه وسط النيران، داخل أرضه، في قلب مستوطناته التي شُيّدت على ركام القرى الفلسطينية.

 

الاعتداء الغاشم والرد المفاجئ

 

اعتادت إسرائيل خلال سنوات أن تضرب متى شاءت وأين شاءت: تغتال علماء، تقصف منشآت حيوية، تخرق السيادة بلا حساب، وتتباهى بذلك أمام العالم، كأنها فوق القانون وفوق الإنسانية.

 

لكن هذه المرة كانت الضربة مختلفة. صحيح أنها بدأت كالعادة: غارات مباغتة على الداخل الإيراني، وعمليات اغتيال استهدفت شخصيات نووية وعسكرية في عمق طهران… لكن ما لم تحسبه تل أبيب هو أن إيران — وعلى غير عادتها في الرد المحدود — قررت أن تسطر صفحة جديدة من المواجهة.

 

فخلال ساعات، كانت الصواريخ الباليستية الإيرانية تدك قلب “تل أبيب”، والمشهد كان غير مسبوق. عاصمة الكيان التي لطالما صُورت كـ”حصن منيع”، أصبحت هدفًا مباشرًا لضربات أنهكت بنيتها التحتية وأصابت صورتها العالمية في مقتل.

 

لأول مرة، يرى العالم إسرائيل في موقع المُعتدى عليه داخل أرضه التي اغتصبها، لا كمهاجم يصول ويجول في الأجواء العربية.

 

من أكتوبر 2023 إلى صواريخ طهران: كسر الهالة

 

المقاومة الفلسطينية كانت أول من فجّر هذا التصور في حرب 10 أكتوبر 2023، حين مزقت مقولة “الجيش الذي لا يُقهر”، وأثبتت أن المارد يمكن أن يُضرب في القلب، وأن القبة الحديدية ليست أكثر من مظلة مثقوبة.

 

واليوم، تستكمل إيران هذا المسار، لكن من زاوية مختلفة، أكثر حدة، وأكثر جرأة، لتؤكد أن “الكيان المتفوق” هو مجرد أسطورة صُنعت إعلاميًا، بينما الواقع أكثر هشاشة.

 

فإسرائيل التي طالما قاتلت خارج حدودها، على أرض الآخرين، في جنوب لبنان، في غزة، في سوريا… أصبحت فجأة تحارب داخل مستوطناتها، وتخشى على مدنها من الانهيار. فتحت الملاجئ تحت الأرض، منعت سكانها — الذين جمعتهم من شتات أوروبا — من الخروج، خشية أن يتحول “الكيان الآمن” إلى ساحة حرب لا يمكن السيطرة عليها.

 

وصاية من ورق

 

كيف لكيان يُخترق في عمقه، ويُقصف في عاصمته، ويهرب مواطنوه إلى الملاجئ، أن يمنح نفسه الحق ليحدد لإيران أو لغيرها حدود الرد أو طبيعة التسلّح؟ منطق الوصاية هنا يبدو كاريكاتوريًا، سخيفًا، بل مثيرًا للشفقة.

 

إسرائيل اليوم تتصرف مثل الطفل المدلل الذي تعوّد أن يكسر الزجاج دون أن يُعاقب، لكنه فجأة تلقّى صفعة غير متوقعة، فصرخ وبكى وهرول إلى العالم ليشتكي. “هم ضربوني!”… نعم، لأنك كنت تضرب الجميع منذ عقود.

 

نهاية عصر الخوف من إسرائيل

 

العويل الإسرائيلي اليوم ليس دليل قوة، بل دليل وجع. لسانها الطويل لم يعد يخيف، بل يفضح. والشرق الأوسط لم يعد ذاك الفضاء المستباح الذي تصول فيه وتضرب بلا حساب.

 

لقد دخلنا مرحلة جديدة، حيث الردع لم يعد حكرًا على جهة واحدة. إيران، قبلها المقاومة، وربما بعدها أطراف أخرى، أثبتت أن موازين القوى يمكن أن تتغير إذا توفر القرار والجرأة والوعي.

 

وإسرائيل، التي كانت تتفاخر بتصدير الحرب، أصبحت اليوم تحاول جاهدة احتواءها، داخل حدود رسمتها فوق أرضٍ لا تخصها، من بحر حيفا إلى رُبى النقب.

ومثلما يقول المثل المصري:

“اللي بيته من إزاز، ما يحدّفش الناس بالطوب.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى