يقول الله تعالى : “رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192آل عمران).
فالخزي هو العذاب والإهانة والفضيحة يوم القيامة، فحين قال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ }، فانظر لعظمة الآية الكريمة، فهي لا تذكر عذاب من يدخل النار، ولكنها ذكرت خزي الله لمن دخل النار، وكأن الخزي مرتبة أشر من عذاب النار.
فمعنى الآية إنك يا ربنا من تدخل النار من خلقك فقد أهنته وفضحته، وليس للظالمين يوم القيامة من أعوان يمنعون عنهم عذاب الله .
ماهو الخزي؟
لذلك حينما دعا إبراهيم عليه السلام لنفسه، قال: «ولا تُخْزِنى يوم يُبعثون. يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا مَن أتى الله بقلب سليم».
فسيدنا إبراهيم عليه السلام، الذى اتخذه ربه خليلًا بنص القرآن: «واتخذ الله إبراهيم خليلًا»، وجعله للناس إمامًا: «إنى جاعلك للناس إمامًا»، حتى النبي صلى الله عليه وسلم كان أبوه إبراهيم هو القدوة له: «ثم أوحينا إليك أنِ اتَّبع ملة إبراهيم حنيفًا»، فرغم كل ما أوتي إبراهيم من فضل ومحبة الله له، مع ذلك يخاف الخزى يوم القيامة!.
وتكررت لفظة «الخزى» فى القرآن الكريم، للتعبير عن حال المغضوب عليهم فى الآخرة، وقال العلماء أن هذه اللفظة تمتلك من البلاغة ما تشرح ماهو حال الكافرين والمنافقين يوم القيامة، فالخزي تطلق على كل معانى الذل والعار والفضيحة، وفيه أيضًا شماتة الأنداد من البشر، والأسوأ احتقار الخالق له وطرده نهائيًا من رحمته.
كيف تنجو من الخزي يوم القيامة؟
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8].
فالتوبة النصوح هي التي تمنع عنك الخزي يوم القيامة، وتهيئ المؤمن لكي يكون من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ولكن كيف تكون التوبة النصوح؟
يقول الحسن بن علي رضي الله عنها: التوبة النصوح هي أن تبغض الذنب كما أحببته ، وتستغفر منه إذا ذكرته.
فأما إذا حزم بالتوبة وصمم عليها فإنها تجب ما قبلها من الخطيئات، كما ثبت في الصحيح : ” الإسلام يجب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها ” .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله – عز وجل – يَقبل توبة العبد ما لم يُغرغر)).
يغرغر أي: لم تبلغ رُوحه الحُلقومَ.
وثبت عند ابن ماجه من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((التائب من الذَّنب كمَن لا ذنب له)).
فمَن تاب ومات على تلك التوبة، فقد رزقه الله حُسْن الخاتمة؛ لأنه يُبْعَث تائبًا يوم القيامة من كلِّ الذنوب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن مات على شيء، بعثه الله عليه)).
ولا أدل على ذلك من الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن أبي سعيد الخُدْري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قَتل تِسعةً وتسعين نفْسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهبٍ، فأتاه فقال: إنه قتَلَ تسعةً وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمَّل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فَدُل على رجل عَالِم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومَن يَحولُ بينه وبين التَّوبة؟! انطلِقْ إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أُناسًا يعبدون الله، فاعبُدِ اللهَ معهم، ولا تَرجع إلى أرضك؛ فإنها أرضُ سَوء، فانطلق حتى إذا نَصف الطَّريقَ أتاه الموتُ، فاختصمت فيه ملائكةُ الرَّحمة وملائكةُ العذاب، قالت ملائكةُ الرحمة: جاء تائبًا مُقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يَعمل خيرًا قطُّ، فأتاهم ملَك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال: قِيسوا ما بين الأرضَيْن، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكةُ الرحمة)).
وفي رواية: “فأوحى اللهُ إلى هذه: أنْ تقارَبي، وأوحى إلى هذه: أن تباعَدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر، فَغُفِر له”.
ماهي شروط التوبة:
1- الإقلاعُ عن الذنوب.
2- النَّدم على فعل تلك الذنوب.
3- العزمُ على ألا يعودَ إليها أبدًا.
4- الإخلاصُ في التوبة.
5- التحلُّل من المظالم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن كان لأخيه عنده مَظلمةٌ من مال أو عِرض، فلْيتَحلَّلْه اليومَ قبل ألا يكونَ دينارٌ ولا دِرهمٌ إلا الحسنات والسيئات)).
6- التوبة قبل الغَرغرة، وقبل طلوع الشمس من مغربها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يَبسط يدَه باللَّيل؛ ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويَبسط يدَه بالنهار؛ ليتوب مُسيء اللَّيل، حتى تَطلع الشَّمس من مغربها)).