بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق، فقد ورد عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، فهو آخر الأنبياء وأفضلهم عند الله تعالى، وأحلاهم خلقا وأخلاقا، أرسله بالدين الخاتم والناسخ لما قبله من الأديان، قال -تعالى-: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}.
فقد كانت أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، من الحلم والصفح والصبر والشجاعة والكرم ما يضرب به المثل ويقتدي به المقتدون، ويتأس المتأسون، وجاء في الحديث: (أنَّ النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم أُتِيَ بالبراقِ ليلةَ أُسري بِهِ ملجمًا مسرجًا فاستصعبَ عليْهِ فقالَ لَهُ جبريلُ أبمحمَّدٍ تفعلُ هذا فما رَكبَكَ أحدٌ أَكرمُ على اللَّهِ منْهُ).
وقد بعث الله -تعالى- الرسول محمداً إلى الناس جميعاً، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، قال -تعالى-: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}،[٣] وقد اختار الله -تعالى- رسولنا محمداً بعناية فائقة، وهيّأ له نشأةً عظيمةً، وجعله أفضل الخلق على الإطلاق، فكانت شخصيته فريدةً، وصفاته حميدةً، وأخلاقه لا مثيل لها بين البشر.
كيف كانت شخصية النبي قبل البعثة؟
كانت شخصية النبي عليه الصلاة والسلام قدوة ومثلا يحتذى به في الأولين والأخرين، وأخلاقه الفاضلة كانت مضرب المثل،، فقد وصفته زوجته السيدة خديجة- رضي الله عنها- عندما قالت له:(واللَّهِ ما يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوائِبِ الحَقِّ)،[٥] فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يساعد الفقراء والضعفاء ويحمل عنهم، وكان واصلاً لرحمه وأقاربه ومحسناً إليهم، وكان كريماً جواداً يكرم الضيوف، وهناك الكثير من الصفات والخصال الحميدة التي حوتها شخصية النبي -صلى الله عليه وسلم، نذكر بعضها فيما يأتي.
الصادق الأمين
كان الصدق والأمانة من أبرز صفات الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة، حتى اشتهر بها في قومه وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين، وعندما جمعهم ليدعوهم إلى الإسلام، قال لهم: (أرَأَيْتَكُمْ لو أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلًا بالوَادِي تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ علَيْكُم؛ أكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قالوا: نَعَمْ، ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدْقًا)،[٧] وقد اختارته خديجة لاستثمار أموالها وائتمنته على تجارتها لصدقه وأمانته وخبرته في التجارة.
حكمته
وتتمثل رجاحة عقل النبي -صلى الله عليه وسلم- وحكمته العبقرية في قصة الحجر الأسود، عندما اختلفت قبائل قريش فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه أثناء بناء الكعبة، وكاد هذا الخلاف أن يسبب حرباً داميةً، لولا رجاحة عقل النبي -صلى الله عليه وسلم- وحكمته، فأشار عليهم بأن يضعوا الحجر فوق رداء وأن تمسك كل قبيلة بطرف من أطراف الرداء ويرفعوه جميعا ثمَّ وضعه بيده في مكانه، فحقن دماءهم ومنع فتنة عظيمة كادت أن تحدث.
كراهيته لأفعال الجاهلية
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة يكره أعمال الجاهلية كلها ويبغضها، وقد حفظه الله -تعالى- من أن يقع بها أو يشهدها، فكان يكره الشرك وعبادة الأصنام، ومظاهر الفسق والفجور وشرب الخمر، وغير ذلك مما كان منتشراً في مكة قبل الإسلام، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب الصمت والاعتزال والتأمل في خلق الله والتعبد وحيداً في غار حراء.[
نصرته للمظلوم
شارك النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة في حلف الفضول في مكة، وكان هذا الحلف قائماً على مبادئ نصرة المظلوم وحماية الضعيف مهما كان، وأياً كان، وقد اتفق أهل مكة على تلك المبادئ بعد حادثة جرت في مكة، ظُلم فيها أحد الناس لأنَّه كان غريباً، فأعجب النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحلف وأحبه وشارك فيه.