مقالات

مثل «إيكاروس».. محمد الدرة طائر قنصه رصاص الاحتلال

باسم محمد

“يحكى أن أثينا اليونانية، انتفضت واهتزت رعبًا وثارت غضبًا 7 مرات فور ما أحست بالشاب الذي كانت تتحاكى عنه البلاد الشاب الوسيم ايكاروس يهوى متساقطًا من صدر السماء بعد أن ذابت أجنحته، التي صنعها له والده ديدالوس من الشمع، بعد أن تجاهل نصيحة والده وحلق بالقرب من الشمس محاولا الهرب من المنفى في متاهة جزيرة كريت، وسقط صريع أحلامه بـ الحرية وناحت عليه أثينا وبكاه أبطال جبال الأوليمب، وفقًا لرواية ميثولوجيا الأساطير الإغريقية.

ربما اختار إيكاروساليوناني قدره ومصيره بنفسه، ذلك الذي لم يتوافر للطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي حاصرته رصاصات الاحتلال وقتل على مرأى ومسمع العالم كله، الجريمة التي ألهبت حماس الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بعد أن سكنت رصاصات جسده، ليعشش في حضن والده طائراً خائفاً من جحيم السماء، وهو ينادي “احمني يا أبي من الطيران إلى فوق، إن جناحي صغير على الريح”، وتنهمر عليهم قوات الاحتلال بالطلقات على مدار 27 دقيقة، قبل أن يصاب الصغير في معدته برصاصة من قوات الاحتلال، غير مكترثة بإشارات الاستغاثة من يد أبيه، مستغيثًا بكل الكلمات في محاولة لإنقاذ طائره الصغير الذي لم يكن يدري بعد أنه كان قد فارقه وطار بعيدًا.

قبل 23 عامًا تفصلنا عن اليوم، أخر أيام شهر سبتمبر عام 2000، لم يكن ببال الدرة –يومئذ- ما يشغل باله سوى دراسته وإتمام فروضه المنزلية واللعب ليلًا مع أصحاب جادته وأصدقاء عمره والحلم بيوم تتحرر فيه بلادهم من غطرسة وطغيان الاحتلال، قبل أن تعانق آخر أشعة الشمس حبات العرق على جبينهم لتودعهم خلال رحلتها اليومية، تلك الأولويات التي كانت تتكدس برأس الصغير عام أثناء رحلة عودته لمنزله قادمًا من المدرسة ممسكًا بطرف أصابع يدي والده.

الاحلام التي داعبت خيال الصغير قبل أن يستيقظ من أحلامه على واقع الاحتلال وغدر رصاصته التي دوت حوله وهو لا يدري ما الذي يحدث؟ ماذا اقترف؟ لماذا تهاجمه الرصاصات مدوية من كل جانب؟، جلس ليحتمي بأحضان والده وما كان يدري أنها جلسته الأخيرة قبل أن يذهب وتطير روحه بعيدًا عن كل هذا الخوف، محلقًا بأجنحة من ريش الحرية وليست كأجنحة #إيكاروس الشمعية، فما عاد يخاف التحليق وسط الرصاص والنيران أو حتى قرب الشمس.

والتقطت عدسة المصور الفرنسي شارل إندرلان المراسل بالقناة الفرنسية الثانية مشهد احتماء جمال الدرة وولده محمد البالغ من العمر اثنتي عشرة عامًا، خلف برميل إسمنتي في شارع صلاح الدين بقطاع غزة، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين جنود الاحتلال الإسرائيلي وقوات الأمن الفلسطينية، وفي لمح البصر أصبح الابن جثة هامدة يرتمي على ساقي أبيه، حينها توقف الأب عن التلويح لأن ما كان يخاف من حدوثه وقع.

بعد الحادث، أعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي تحمّلها المسئولية، واكتفت بالإعراب عن أسفها لـ “الجريمة” التي هزت وجدان ومشاعر العالم، ولكنها تراجعت عن ذلك، وحاولت إلصاق تهمة استشهاد الدرة برصاص القوات الفلسطينية، غير أن قوة تأثير الصورة التي أدمت الإنسانية كذّبت تلك الإدعاءات في كل وسائل الإعلام الدولية.

وتصدرت صورة محمد الدرة في حضن أبيه صحف العالم العربي والدولي ونعى العالم العربي والإسلامي الطفل باعتباره شهيدًا وتم تشييع جنازة مؤثرة له، وشارك فنانون وأدباء من أنحاء العالم تشيع #الدرة بأعمال أدبية وغنائية وفنية، وحازت لقطة الدرة ووالده على ما أطلق عليه أحد الكتاب “قوة راية المعركة”، وانتفض الرأي العام العالمي، لكن ذلك لم يمنع جيش #الاحتلال من ممارسة جرائمه، فالدرة يموت كل يوم، وسط صمت عربي وعالمي، فشل في إيقاف آلة الدم التي يقتات عليها الاحتلال.

ولازالت آلاف الأجنحة الصغيرة التي حتى لم تقرر أن تحلق نحو شمس أحلامها بالمستقبل والحرية تحترق بنيران حروب الاحتلال الإسرائيلي التي لا تنتهي على قطاع غزة، أطفال ورُضع حلقت أرواحهم نحو السماء بعد أن دفنت غارات الطيران الإسرائيلي الوحشية أجسادهم تحت أنقاض منازلهم التي انهارت جدرانها عليهم دون سابق إنذار.

Eslam kamal

موقع حرف 24 الإلكتروني الإخباري يهتم بالشأن المصري والعربي يركز على القضايا الاجتماعية ويلتزم المهنية
زر الذهاب إلى الأعلى